الخميس، 29 أغسطس 2024

[zmn1.com] عذاب القبر

،،،،، عذابُ القبر ،،،،

من معاصي القلب والعين والأذن والفم واللسان والبطن والفرج واليد والرجل، والبدنِ كلِّه. 

فالكذَّابُ ، والنمَّام، والمغتاب، وشاهد الزور، وقاذف المحصَن، والمُوضِع في الفتنة، والداعي إلى البدعة، والقائل على الله ورسوله ما لا علمَ له به، والمجازف في كلامه. وآكلُ الربا، وآكل أموال اليتامى، وآكل السُّحت من الرشوة والبِرْطِيل  ونحوهما، وآكل مالِ أخيه المسلم بغير حقٍّ أو مال المعاهَد، وشارب المسكِر، وآكل لقمة الشجرة الملعونة، والزاني، واللوطي، والسارق، والخائن، والغادر ، والمخادع، والماكر، وآخذ الربا ، ومعطيه، وكاتبه، وشاهداه؛ والمحلل والمحلَّل له، والمحتال على إسقاط فرائض الله وارتكاب محارمه، ومؤذي المسلمين، ومتَّبع عوراتهم.والحاكم بغير ما أنزل الله ، والمفتي بخلاف ما شرَعَه الله، والمعين على الإثم والعدوان، وقاتل النفس التي حرم الله، والملحِد في حرم الله، والمعطِّل لحقائق أسماء الله وصفاته الملحِد فيها، والمقدِّم رأيَه  وذوقَه وسياسته على سنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم .


والنائحةُ والمستمِعُ إليها، ونوَّاحو جهنَّم ــ وهم المغنُّون  الغناءَ الذي حرَّمه الله ورسولُه ــ والمستمعُ إليهم، والذين يبنون المساجد على القبور، ويُوقدون عليها القناديل والسرج؛ والمطفِّفون في استيفاء ما لهم إذا أخذوه، وهَضْمِ ما عليهم إذا بذلوه، والجبَّارون، والمتكبِّرون، والمراؤون  والهمّازون، واللمّازون، والطاعنون  على السلف، والذين يأتون الكَهَنة والمنجِّمين والعرَّافين ، فيسألونهم، ويصدِّقونهم. 

وأعوانُ الظلَمَة الذين قد باعوا آخِرَتهم بدنيا غيرهم ، والذي إذا خوَّفتَه بالله وذكَّرته به لم يرعَوِ، ولم ينزجر؛ فإذا خوَّفته بمخلوقٍ مثلِه خاف، وارعوى، وكفَّ عمَّا هو فيه. 

والذي يُهدَى بكلام الله ورسوله، فلا يهتدي، ولا يرفع به رأسًا؛ فإذا بلغه عمَّن يُحسِنُ به الظنَّ،  ممَّن يصيب ويخطئ، عضَّ عليه بالنواجذ، ولم يخالفه. والذي يُقرأ عليه القرآنُ، فلا يؤثِّر فيه، وربما استثقَلَ به؛ فإذا سمع قرآن الشيطان، ورقية الزنا، ومادّة النفاق= طاب سِرُّه ، وتواجَدَ، وهاج من قلبه دواعي الطرب، وودَّ أنَّ المغنِّي لا يسكتُ. والذي يحلف بالله، ويكذب، فإذا حلف بالبندق ، أو برأس شيخه أو تُربته  أو سراويل الفتوة ، أو حياة من يحبُّه ويعظِّمه من المخلوقين= لم يكذب، ولو هُدِّد وعُوقب. والذي يفتخرُ بالمعصية، ويتكثَّر بها بين إخوانه وأضرابه، وهو المجاهر؛ والذي لا تأمنُه على مالك وحرمتك ، والفاحش اللسان البذيء  الذي تركه الناس  اتقاءَ شرَّه وفُحْشه. والذي يؤخِّر الصلاة إلى آخر وقتها، وينقُرُها، ولا يذكر الله فيها إلا قليلًا، ولا يؤدِّي زكاةَ ماله طيِّبةً بها نفسُه، ولا يحجُّ مع قدرته على الحجِّ، ولا يؤدِّي ما عليه من الحقوق مع قدرته عليها، ولا يتورَّع من لَحْظةٍ  ولا لفظةٍ ولا أَكلةٍ ولا خَطوةٍ، ولا يبالي بما حصّل المال من حلال أو حرام، ولا يصلُ رَحِمه؛ ولا يرحم  المسكين، ولا الأرملَة ولا اليتيمَ، ولا الحيوان البهيمَ؛ بل يدُعُّ اليتيم، ولا يحضُّ على طعام المسكين، ويرائي العالمين، ويمنع الماعون، ويشتغل بعيوب الناس عن عيبه، وبذنوبهم عن ذنبه. 

= فكلُّ هؤلاء وأمثالُهم يعذَّبون في قبورهم بهذه الجرائم بحسَبِ كثرتها وقلِّتها، وصِغَرها وكِبَرها.

ولما كان أكثر الناس كذلك كان أكثر أصحاب القبور معذَّبين، والفائزُ منهم قليل. فظواهر القبور تراب، وبواطنها حسرات وعذاب. ظواهرُها بالتراب والحجارة المنقوشة مَبْنِيَّات، وفي باطنها الدواهي والبَلِيَّات، تغلي بالحسرات، كما تغلي القدور بما فيها. ويحِقّ لها، وقد حيل بينها وبين شهواتها وأمانيها.

تالله لقد وعظَتْ، فما تركت لواعظٍ مقالًا، ونادت: يا عُمَّار الدنيا لقد أعمرتم  دارًا موشكة بكم زوالًا، وخرَّبتم دارًا أنتم مسرعون إليها انتقالًا. عمَّرتم بيوتًا لغيركم منافعُها وسُكنْاها، وخرّبتم بيوتًا ليس لكم مساكنُ سواها: هذه دار الاستيفاء، ومستودعُ الأعمال، وبَيدَر الزرع . 

هذه محلُّ العبر ، رياض من رياض الجنة، أو حُفرة من حُفَر النار. 

ابن القيم | كتاب الروح