الاثنين، 31 مارس 2014

(¯`*•أهـل الشام•*´¯) مِنْ قَصَصِ أئمةِ الحَدِيثِ المُتقدّمين وَنوادرِهم في تتبعِ سُنّةِ سيّدِ المُرْسلين والذبِّ عنها- -2- رفسةٌ أحبّ مِنْ سَفرة !

 

 

 



مِنْ قَصَصِ أئمةِ الحَدِيثِ المُتقدّمين وَنوادرِهم في تتبعِ سُنّةِ سيّدِ المُرْسلين والذبِّ عنها

 

 

تأليفُ

د.علي بن عبد الله الصّياح

 

 

القصة الثانية

 

 

-2- رفسةٌ أحبّ مِنْ سَفرة !


 

قَالَ الخطيبُ البغداديُّ : ((يحيى بنُ معين ..أبو زكريا البغدادي ، إمامُ الجرح و التعديل ، و أحدُ من انتهى إليه علم الحَدِيث في عصرهِ، قَالَ: كتبتُ بيدي ألْف ألْف حَدِيث...  و ذكر ابنُ عدي أنَّ والد يحيى خلّفَ له ثروةً ضخمةً ألْف ألْف درهم ، و خمسين ألْف درهم ، فأنفق ذلكَ كله على الحديثِ لمّا توسع في طلبهِ و رحلاته من أجله .

و مِنْ لطائف أخبارِ رَحَلاته هذه الرحلة التي سَافرَ فيها مع صديقهِ الأمام أحمد بن حنبل من العراق إلى اليمن للسماع من الأمام عبدِ الرزاق بن همّام الصنعاني - حافظ اليمن - ، وفي العودةِ أرَادَ أنْ يدخلَ الكوفةَ ليختبر الحافظ أبا نُعَيم الفضلَ بنَ دُكين و يعرفَ حفظَه و تيقظه و نباهته ، و كان يرافقهما في هذه الرحلة أحمدُ بنُ منصور الرّمادي الثقة و هذا نصه يروي قصة هذا الاختبار .

قَالَ أحمدُ بنُ منصور الرّمادي: خرجتُ مَعَ أحمد ويحيى إلى عبدِ الرزاق أخدمهما . فلمّا عُدنا إلى الكوفة قَالَ يحيى بنُ معين : أريد أختبر أبا نُعَيم .

فَقَالَ له أحمد : لا تُرِدْ ، الرجلُ ثقة .

فَقَالَ يحيى: لابدَّ لي، فأخَذَ ورقةً وَكَتَبَ فيها ثلاثين حديثاً مِنْ حَدِيث أبي نُعَيم، وجَعَلَ عَلى رأسِ كلّ عشرة منها حديثاً ليسَ مِنْ حديثهِ، ثمّ جاءوا إلى أبي نُعَيم فَخَرَج وَجَلَسَ عَلى دُكّان .

فأخرجَ يحيى الطَّبَق فَقَرَأ عليه عشرةً، ثم قرأ الحادي عشر، فَقَالَ أبو نُعَيم : ليسَ مِنْ حديثي اضربْ عليه، ثم قَرَأ العشر الثاني، وأبو نُعَيم ساكتٌ فَقَرأ الحَدِيث الثاني فَقَالَ: ليسَ مِنْ حديثي، اضربْ عليه، ثم قَرَأ العشر الثالث و قَرَأ الحديثَ الثالثَ فَتَغَيرَ أبو نُعَيم، وَانقلبتْ عيناهُ وأقبلَ على يحيى فَقَالَ: أمَّا هذا - وذراعُ أحمد في يدهِ - فأورع من أنْ يعملَ هذا، وأمّا هذا - يريدني - فأقلّ من أنْ يعملَ هذا، ولكن هذا مِنْ فعلكَ يا فاعل، ثمّ أخرجَ رجلَه فَرَفَسهُ فَرَمى بهِ، وقَامَ فَدَخَلَ دَارهُ، فَقَالَ أحمد ليحيى : ألم أقلْ لكَ إنّه ثَبتٌ قَالَ : واللهِ لرفستُهُ أحبُّ إليّ مِنْ سفرتي)).

وفي روايةٍ أنَّ يحيى بنَ معين قامَ وقبله وقالَ : (( جزاكَ اللهُ خيراً، مِثلُكَ منْ يُحدث ، إنَّمَا أردتُ أنْ أجرّبكَ))([1]).

وأبو نُعَيم هذا هو الذي قَالَ للوالي في محنة خلق القرآن :((عُنُقي أهونُ عِندي من زِرِّي)) وإليكَ القصة بتمامِها:

قَالَ أبو بكر بنُ أبي شيبة: لمَّا أنْ جاءتْ المحنة – محنة خلق القرآن -إلى الكوفة قَالَ لي أحمدُ بنُ يونس: ألق أبا نعيم فقلْ له، فلقيتُ أبا نُعَيم فقلتُ له، فَقَالَ: إنما هو ضربُ الأسياط، فلمّا أُدْخل أبو نُعَيم على الوالي ليمتحنه وعنده ابنُ أبي حنيفة وأحمدُ بنُ يونس وأبو غسان وعداد فأولُ مَنْ امتحن ابن أبي حنيفة فأجاب، ثم عَطَفَ على أبي نُعَيم فقيل له، فَقَالَ: أدركتُ الكوفة وبها أكثر من سبعمائة شيخ الأعمش فما دونه يقولون: القرآنُ كلامُ اللهِ، وعنقي أهونُ عِندي مِنْ زِرِّي هذا، ثم أخذ زرهُ فَقَطَعه، فَقَامَ إليهِ أحمدُ بنُ يونس فَقَبّلَ رأسَهُ ، وكَانَ بينهما شحناء، وقَالَ: جزاكَ الله مِنْ شيخ. ([2])



([1])الرحلة في طلب الحَدِيث ( ص: 207)، المجروحين (1/33)، تاريخ بغداد (12/353)، الجامع لأخلاق الراوي (1/136).

وفي هذه القصة فوائد حديثية وتربوية فمن ذلك:

-بيان إحدى طرق النقاد لمعرفة ضبط الرواة وهي:إدخال الحديث على الراوي.

-وتشدد ابن معين في معرفة الرواة وضبطهم فهو يريد أن يصل إلى الطمأنينة التامة.

- وتحمل المحدثين لما يحصل لهم من رفسٍ وغيره في سبيل خدمة حديث رسول الله r، فالرفسة تكون محببة إليهم- أحياناً  ! رحمهم الله -.

 وأنبه أنّ مثل هذه الفوائد ليست مستنبطة من هذه القصة فقط بل لها نظائر كثيرة فلا يظن ظان أنه بمجرد أن تستنبط فائدة من "سير المتقدمين وقصصهم" تجعل هذه الفائدة قاعدةً مطردةًَ للمحدثين كلّهم، هذا لا يقوله أحدٌ بل مثل هذه الفوائد لجعلها قاعدة أو قرينة أو منهجاً لا بدّ من الاستقراء والتتبع ثم النظر والتحليل والموازنة.

([2])انظر:شرح أصول عتقاد أهل السنة (2 / 245)، تاريخ بغداد (12/ 349) ، تهذيب الكمال  (23 / 214) ، سير أعلام النبلاء  (10 / 149).

 


 

 


 






(¯`*•أهـل الشام•*´¯) المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية - (130) سورة المنافقون -1- (131) المنافقون -2

 

 

 



المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية

 

 

أميـــر بن محمـــد المــــــدري

إمام و خطيب مسجد الإيمان - اليمن - عمران

 

 

 

(130) سورة المنافقون -1- (131) المنافقون  -2

 

 

 

(130) سورة المنافقون -1 

 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون (1)

سورة المنافقون سورة مدنية، واسمها يدل على موضعها، فهي تتحدّث عن النّفاق والمنافقين، لتهتك أستارهم، وتكشف أسرارهم، حتى يعرفهم المؤمنون فيحذروهم، إذ أن المنافقين أشدُّ خطرًا وأعظم ضررًا من الكافرين الذين صرحوا بكفرهم وعداوتهم للإسلام وأهله.

ثم خُتمت السورةُ بتحذير المؤمنين من فتنة المال والولد، وأَمْرِهم بالإنفاق مما رزقهم الله في سبيل الله، قبل أن يفوت الأوان بانتهاء الأجل، فيتحسر الإنسان ويندم على تقصيره ولات حين مناص {ص: 3}.

النفاق: هو أن يظهر الرجل خلاف ما يبطن. وهو قسمان: اعتقادي وعملي.

فالنفاق الاعتقادي: هو أن يظهر الرجل الإسلام ويبطن الكفر.

والنفاق العملي: هو أن يعمل المؤمن عملا من أعمال المنافقين، فيكون فيه خصلة من النفاق، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "أربعٌ مَنْ كنّ فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".

والنفاق الاعتقادي أعظمُ من الكفر الصريح، ولذا يجمع اللهُ الكافرين والمنافقين في جهنم جميعا، ثم يجعلُ المنافقين في الدرك الأسفل منها، كما قال - تعالى -: إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا {النساء: 140}، ثم قال: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا {النساء: 145}.

أما النفاق العملي فلا يُخرجُ المؤمن من دائرة الإيمان، وإن كانت فيه خصلة من النفاق، لكن يجب على المؤمن أن ينأى بنفسه عن شيم المنافقين.

ولا يجوز اتهام مؤمنٍ بالنفاق وإن كانت فيه خصلةٌ منه، فلا يجوز أن يُقال عن فلانٍ أنه منافق، لكن يجوز أن يُقال: فيه خصلة من النفاق؛ لأن النفاق محله القلب، ولا يطّلع على القلوب إلا علامُ الغيوب.

والسورة تتحدث عن نفاقِ الاعتقادِ وأهلهِ، وتبدأ بالإخبار عنهم. أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله، فكذبهم الله في هذه الشهادة، وشهد على كذبهم فقال: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون لأنهم لا يعتقدون بما شهدوا به، وإنما هي كلمة يقولونها بألسنتهم، وحتى لا يتوهَّم متوهِّم أنّ الله كذّبهم في دعوى رسالته - صلى الله عليه وسلم - جيء بهذه الجملة المعترضة والله يعلم إنك لرسوله، فأثبت - سبحانه - الرسالة لرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، و كذّبهم في دعواهم أنهم يشهدون له بها .

و صلى الله على نبي الهدى و الرحمة محمد  صلى الله عليه و سلم .

 

(131) المنافقون  -2

 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

يقول تعالى (اتخذوا أيمانهم جنة أي وقاية، يتّقون الناسَ بالأيمان الكاذبة، فإذا ما قالوا قولا، أو فعلوا فِعلا يُؤْخَذُ عليهم تنصّلوا منه، وتبرَّءوا، بالأيمان الكاذبة، والله ما قلنا، والله ما فعلنا. وربما يعملون العمل السيء ويحلفون أنهم مسلمون، فيغترّ بهم من لا يعرفهم، فيصدّقهم وربما اقتدى بهم، وفي ذلك من الضرر ما فيه، ولذا قال - تعالى -: "اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله صدّوا أنفسهم، وصدّوا غيرهم، إنهم ساء ما كانوا يعملون" وهل هناك أسوأ من الصدّ عن سبيل الله؟ ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام؟ {الصف: 7}، ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا أي ذلك الحلف الكاذب والصدّ عن سبيل الله، بسبب أنهم آمنوا بألسنتهم ثم كفروا بقلوبهم فطبع على قلوبهم والطّبْعُ هو الختم، وهو أشبه ما يكون بالشمع الأحمر إذا ضُرب على محلٍّ ما، فلا يخرج منه شيء، ولا يدخله شيء، وكذلك الطبع على القلوب والعياذ بالله إذا طُبِعَ على قلبٍ لا يخرج منه منكر، ولا يدخله معروف، فهم لا يفقهون فلا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرا.

قال العلماء: لما تحدّث الله - تعالى - عن المنافقين في سورة البقرة ضرب لهم مثليْن: ناريًا، ومائيًّا، فالنّاري هو: "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (17) صم بكم عمي فهم لا يرجعون" {البقرة: 17، 18}.

والمائي: "أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19) يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير" {البقرة: 19، 20}.

فالنّاري مثل الذين آمنوا ثم كفروا، والمائي للذين هم في ريبهم يترددون ويميلون إلى الإسلام تارة، ويميلون عنه تارة، فهم كالذي يمشي في الظلمات يستضيء بنور البَرقِ كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا، فأما الذين آمنوا ثم كفروا ف مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون، فهم لما آمنوا خرجوا من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، فلما كفروا رُدّوا في الظلمات، فما هم بخارجين منها، صم بكم عمي فهم لا يرجعون، وذلك من الله عقوبة لهم على تركهم الإيمان بعد أن ذاقوا حلاوته، ورأوا نوره، ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون، كما قال - تعالى -: "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" {الصف: 5}.

ثم وصف الله المنافقين بجمال الصورة، وحلاوة اللسان، فقال: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم فهذا حال ما ظهر منهم وأفئدتهم هواء {إبراهيم: 43}، يعني لا حياة فيها كأنهم خشب مسندة أي يشبهون الخشب المسنّدة إلي الحائط، في كونهم صورًا خاليةً عن العلم والنظر، فهم أشباحٌ بلا أرواحٌ، وأجسامٌ بلا أحلامٌ، فلا يعجبك جمالُ صورتهم، ولا عذوبةُ منطقهم.

ثم وصفهم الله بالضعف والخور، والجبن والهلع، فقال: "يحسبون كل صيحة عليهم" وهذا حال كل من يخالف فِعلُه قولَه، خائفون دائمًا، قلقون أبدا، يحذرون أن يُفضحوا، وتكشف أسرارهم، كما قال - تعالى -: "يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون" {التوبة: 64}، وقال - تعالى -: "أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم (29) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم" {محمد: 29، 30}، ثم حذّر اللهُ نبيه منهم فقال: "هم العدو فاحذرهم" هم العدوّ الكامل العداوة، فاحذرهم ولا تأمنْهم وإن قالوا نشهدُ إنّك لرسول الله، وإنما حذر الله - تعالى - منهم لأن الخطر كامنٌ فيهم، وقد أظهروا الإسلام، وهذا يجعل المسلمين قد يأتمنونهم، فحذّر الله منهم، وبيّن أنهم هم العدو، وإن قالوا نحن مسلمون.

ثم دعا عليهم، ودعاءُ الله قضاءٌ مبرم، وحكمٌ نافذ، قاتلهم الله أي أخزاهم ولعنهم وأبعدهم عن رحمته. أنى يؤفكون كيف يُصرفون عن الهدى إلى الضلال؟ و كيف تضل عقولهم مع وضوح الدلائل والبراهين؟ والحمد لله رب العالمين .