الخميس، 1 مايو 2014

(¯`*•أهـل الشام•*´¯) مِنْ قَصَصِ أئمةِ الحَدِيثِ المُتقدّمين وَنوادرِهم في تتبعِ سُنّةِ سيّدِ المُرْسلين و الذبِّ عنها - خاتمةٌ - ( الجزء الثاني )






مِنْ قَصَصِ أئمةِ الحَدِيثِ المُتقدّمين وَنوادرِهم في تتبعِ سُنّةِ سيّدِ المُرْسلين والذبِّ عنها

 

 

تأليفُ

د.علي بن عبد الله الصّياح

 

 

- خاتمةٌ - ( الجزء الثاني )

 

 

 

– راجع القصة رقم (16) وقارنْ !.

- وقولُ بعضهم - متعقباً الحافظ أحمد بن صالح المصريّ في قوله : ((نظرتُ في كُتُبِ سليمان بن بلال فلم أجد لهذين الحديثين([1]) أصلا))([2]): ((فكان ماذا ؟

فسليمانُ بنُ بلال ثقة، كبير القدر، كثير الحَدِيث، فأنْ يكون عنده من الحَدِيث ما هو من محفوظه دون أن يكون مكتوباً؛ فهذا ما لا يمكن ردّه في علم الرواية..)) ولم يكتف بهذا بل قَالَ:((ومن عَجَبٍ قولُ الإمام أبي حَاتِم الرازي في علل الحَدِيث (رقم2384) عَنْ هذا الحَدِيث بهذا الإسناد:"هذا حديثٌ منكرٌ بهذا الإسناد"!!

 

وكذا قول الإمام البخاريّ:"لا أعلم أحداً رواه غير يحيى بن حسان"!))([3]).

قلتُ: ولو نَظَرَ هذا القائل في كلام الحافظ أحمد بن صالح نظرَ المستفيد، المتلمس لمناهج النّقاد لعرف أنّ مِنْ طُرُقِ نقدِ الأخبار عند كبار النقاد المتقدمين: عدم وجودِ الحَدِيث في كتب الراوي وأصوله([4])، وشواهد هذا كثيرة من ذلكَ:

1-            قول أبي حَاتِم:((سألتُ أحمدَ بنَ حنبل عَنْ حَديثِ سليمان بنِ موسى، عَنْ الزّهري، عَنْ عُروةَ، عَنْ عائشة عَنْ النبي قَالَ: لا نكاح إلا بولي، وذكرت له حكاية ابن عُلَيّة، فَقَالَ:  كتبُ ابنِ جُريج([5]) مدونة فيها أحاديثه من حَدّث عنهم: ثم لقيتُ عطاء، ثم لقيت فلانا، فلو كان محفوظا عنه لكان هذا في كتبه ومراجعاته))([6]).

2-            وسئل أحمد عَنْ حَدِيث "الأئمة من قريش" فَقَالَ:((ليسَ هذا في كُتُبِ إبراهيمَ، لا يَنبغي أنْ يكونَ لهُ أصْلٌ))([7]).

3-            وَقَالَ أبو زُرعة:سألتُ محمدَ بنَ يحيى([8])  عَنْ حَدِيثِ الزّهري عَنْ أبي سَلَمةَ عَنْ إبراهيم:"الخيل معقود" - كان في كتابي عنه - فلم يقرأه عليّ، وَقَالَ: لم يكنْ هذا في أصلِ عبدِ الرزاق([9]).قَالَ ابنُ رجب:((وَمما أُنكرَ عَلى عبدِالرزاق حديثه عَنْ معمر عَنْ الزّهري عَنْ أبي سَلَمةَ عَنْ أبي هريرة مرفوعاً "الخيل معقود في نواصيها الخير" أنكره أحمدُ ومحمدُ بن يحيى))([10]).

4-            وَقَالَ ابنُ رَجب:((قَالَ أبو عبد الله -هو أحمدُ بنُ حنبل-: الدراورديّ..كَانَ يُحدّثُ بأحاديث ليسَ لها أصلٌ في كتابهِ، قَالَ: ويقولونَ: إنَّ حَدِيثَ هشام بنِ عروة، عَنْ أبيه، عَنْ عائشة:"أنَّ النبي r كان يُسْتعذبُ لهُ الماء" ليسَ لهُ أصلٌ في كتابهِ  انتهى ً))([11]).

5-            وقال الدّقاق:((سَمِعتُ يحيى يقول: الدّراورديُّ عَنْ العلاءِ بنِ عبدالرحمن عن أبيه أنَّ النبي r قَالَ لعمار:"تَقْتُلكَ فِئةٌ باغيةٌ"لم يوجدْ في كِتَابِ الدّراورديّ، وَأَخبرني مَنْ سَمِعَ كِتابَ العلاء - يعني مِنْ الدّراورديِّ - إنّمَا كانت صحيفة ليسَ هذا فيها))([12])، قال ابنُ رَجبَ:((وإسناده في الظاهر على شرط مسلم، ولكن قد أعله يحيى بن معين بأنه لم يكن في كتاب الدَّرَاورديّ))([13]).

6-            وَقَالَ ابن هانىء: سمعت أبا عبد الله يُسأل عن حَدِيثِ "النّارُ جُبَار" فَقَالَ: هذا باطلٌ، ليسَ من هذا شيء، ثم قَالَ: وَمَنْ يحدّث بهِ عن عبد الرزاق؟ قلتُ: حدّثني أحمد بن شبويه. قَالَ: هؤلاءِ سَمِعُوا بَعْدمَا عَمِي، كَانَ يُلَقن فَلُقنهُ، وَليسَ هُوَ في كتبهِ([14]).وفي روايةِ حَنْبل عن أحمد:((ليسَ بشيء، لم يكنْ في الكتب، باطلٌ ليس بصحيح))([15]).

7-            وَقَالَ ابنُ أبي حَاتِم:((سألتُ أبي عَنْ حَدِيثٍ رواه ابنُ عيينة، عَنْ سعيد بنِ أبي عَروبة، عَنْ قتادة، عَنْ حسان بن بلال، عَنْ عمار عَنْ النبي r "في تخليلِ اللحيةِ"، قالَ أبي: لم يحدثْ بهذا أحدٌ سوى ابن عيينة، عَنْ ابن أبي عَروبة، قلتُ: صحيحٌ؟ قَالَ: لو كَانَ صحيحاً لكَانَ في مصنفات ابن أبي عَروبة..))([16]).

8-            وَقولُ حَمْزةَ السّهميّ:وَسَمعتُ أبَا بكر بنَ المُقري يقولُ: سَألتُ أبا عَرُوبةَ، قُلتُ: رَجُلٌ بِحِمْص يُقَالُ لهُ وجيه القانعة([17])  حَدّثَ بحديثٍ عَنْ ابنِ المُصفّى، عَنْ بَقيةَ، عَنْ شُعْبة، عَنْ سماك عَنْ عكرمة عَنْ ابنِ عبّاس "أنَّ النبي r أجَازَ شهادةَ أعرابيّ في رؤيةِ الهلال"، قَالَ أبو عَرُوبةَ:هذا عندي باطلٌ، كَتبتُ كتابَ شُعْبة عَنْ ابنِ المُصفّى مِنْ أولهِ إلى آخرهِ مِنْ أصلهِ فَمَا رأيتُ فيهِ مِنْ ذا مرسلاً ولا مسنداً، وإنّما يعرفُ هذا الحَدِيث مرفوعاً مِنْ حَدِيثِ زَائدةَ عَنْ سِمَاك([18]).

9-            وتأملْ ردّ أبي حَاتِم على قول يحيى بنِ معين:((ليسَ لهُ أصلٌ، أنا نظرتُ في كتاب إسحاق فليسَ فيهِ هذا)) قالَ:((كيفَ نَظَرَ في كُتبهِ كلّهِ، إنّمَا نَظَرَ في بعضٍ، وربما كَانَ في موضعٍ آخر))([19])، فلم يقل أبو حَاتِم-وهو من الأئمة الكبار-:((هو من محفوظه دون أن يكون مكتوباً))-مع أنَّ هذهِ الجملة:"هو من محفوظه..."من حيثُ الرد أسهل- لأنه كان مستقراً عندهم أنّ عدمَ وجودِ الحَدِيث في كتابِ الراوي دلالة أو قرينة على أنه لا أصل له عنده، لذا قَالَ:((وربما كَانَ في موضعٍ آخر))([20]).

وعَجَبي لا ينقضي مِنْ قولهِ:((فهذا ما لا يمكن ردّه في علم الرواية)) فمن هُمْ روّاد علم الرواية؟ ومن أينَ أُخذتْ أصول علم الرواية؟ ومَنْ الذي يحتجُ بأقوالهم وتطبيقاتهم في علم الرواية؟

إذا لم يكن شُعْبة بن الحجاج، وعبد الرحمن بن مهدي، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، أحمد بن حنبل والبخاريّ، وأبو حَاتِم روّاد هذا العلم فمن يكون !.

وقد أحسنَ الحافظ أحمد بن صالح([21])  في قولهِ:((معرفةُ الحديثِ بمنزلةِ معرفةِ الذهب -أو قَالَ: الجوهر-، إنما يبصرهُ أهلهُ))([22]). - راجع القصة رقم (18) وتأمل .

 

 

      



([1]) يعني حَدِيث:((لا يجوع أهل بيت عندهم التمر))، وحديث(( نعم الإدام الخل ))، وكلام النقاد منصبٌ على رواية يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال هذه، وأمّا متن الحديثين فقد وَرَدَ من طرق أخرى صحيحة.

([2])علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج لابن عمار (ص: 109).

([3])المرجع السابق.

([4])تنبيهٌ: كتب الرواة وأصولهم -وما يتفرع عنهما من مباحث-من المسائل الهامة في علم الحَدِيث، ولها تعلق خاص ودقيق بمبحث الجرح والتعديل، ومبحث علل الحَدِيث، ولم أر إلى الآن دراسة شاملة ودقيقة عن هذا الموضوع تقوم على الاستقراء التام: لكتب الجرح والتعديل، وكتب العلل -التطبيقية والنظرية-، وكتب علوم الحَدِيث، ومِنْ ثمَّ تحليل النصوص ودراستها في ضوء تطبيقات النقاد ، مع الاستفادة من كلام ابن رجب في شرح علل الترمذي، وكلام المعلمي في التنكيل، وفي ظني أنّ هذا الموضوع صالح لأنْ يكون دراسة علمية أكاديمية. 

([5])ذكرُ ابنِ جُريج هنا متعلق بحكاية ابن عُلَيّة المشار إليها، والنص أخرجه الحاكمُ في المستدرك (2/169)-ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (7/105)- قَالَ :((أخبرنا الحسين بن الحسن بن أيوب حدثنا أبو حَاتِم محمد بن إدريس الرازي قَالَ: سمعتُ أحمدَ بنَ حنبل يقولُ وذكر عنده أنّ ابنَ عُلَيّة يذكر حَدِيث ابن جُرَيج في "لا نكاح إلا بولي" قَالَ ابن جُرَيج: فلقيتُ الزُّهريَّّ فسألته عنه فلم يعرفه، وأثنى على سليمان بن موسى قَالَ أحمد بن حنبل : إنَّ ابن جُرَيج له كتب مدونة وليس هذا في كتبه يعني حكاية ابن عُلَيّة عَنْ ابن جُرَيج)).

([6]) العلل (1/408رقم1224)، وانظر أيضاً العلل المسائل رقم (487)

([7]) مسائل الإمام أحمد -ر داود-(ص386رقم1860)-تحقيق:طارق بن عوض الله-، الكامل (1/246)، المنتخب من العلل للخلال (ص159رقم80)، شرح علل الترمذي (2/596).

([8])هو: الذهليّ.

([9])سؤالات البرذعي (ص748).

([10])شرح علل الترمذي (2/757).

([11])المرجع السابق (2/758).

([12])من كلام أبي زكريا في الرجال (ص113رقم362 ).

([13])فتح الباري (3/307).

([14])تاريخ مدينة دمشق (36/183)، شرح علل الترمذي (2/752).

([15])تاريخ مدينة دمشق-الموضع السابق-.

([16])علل الحَدِيث (1/32رقم60).

([17]) في الميزان (7/121)، واللسان (6/218)( وجيه القانف).

([18])سؤالات حمزة (ص256رقم377).

([19])علل الحَدِيث (1/137رقم378).

([20])وعند اختلاف النّقاد في مسألةٍ ما يكون النظر في الحجج والأدلة ومن ثمّ الموازنة بينها، وكلّ مسألةٍ لها نَظَرٌ خَاص.

([21]) المُتَعَقّب بلفظِ " فكان ماذا؟".

([22])الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/256).