الأحد، 2 مارس 2014

(¯`*•أهـل الشام•*´¯) المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية - (87) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون - (88) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ ... الآية

 

 

 

 

 

المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية

 

 

أميـــر بن محمـــد المــــــدري

إمام و خطيب مسجد الإيمان - اليمن - عمران

 

 

(87) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون - (88) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ ... الآية 

 


 

(87) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون

 

 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

يقول الله تعالى : " الم. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون . ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين"

نعم أننا نحسب أننا لا نفتن ! إن لم يكن هذا بلسان المقال فلسان الحال يقول ذلك ، والدليل على ذلك أن أعمالنا ( إلا من رحم الله ) لا تدل على أننا نخشى أن نفتن في ديننا ولم يظهر علينا أننا قد أعددنا العدة لذلك ، لذا فإن هذه الآية تقشعر لها جلود الذين يخشون ربهم ، كيف لا ؟ فمن منا يأمن أن لا يخذله إيمانه ساعة أن يفتن فيزل ويخسر دينه وآخرته ويكون والعياذ بالله من الخاسرين وذلك هو الخسران المبين . أخي الكريم أنه لا منجي من الفتنة إلا الإيمان بالله والصدق في التوجه والقصد والإخلاص لله تعالى و الاستعداد لتحمل المشاق في سبيل ذلك والتضحية بالغالي والنفيس من أجل هذه العقيدة التي تحملها بين جنبيك ولو كان الثمن روحك التي هي أغلى لديك من كل شيء.

ولأن الجائزة هي الجنة ، والجنة غالية فلا بد أن يكون الثمن غالٍ ولا يمكن أن ينالها إلا من يستحقها وقد قضى الله سبحانه تعالى على عباده أن يمتحنهم فيكافئ صادقي الإيمان بالجنة ويبعد أصحاب الهوى والشهوة وعباد الدنيا عنها وهذا الابتلاء والتمحيص والاختبار هو المدار الذي تدور عليه الحياة قال تعالى  : تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير ، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا . و الشاهد قوله    ليبلوكم أي ليمتحنكم وليمحصكم . قد يكون هذا الابتلاء في الحياة الدنيا بالفتن : فتنة المال أو فتنة النساء أو فتنة الأبناء أو فتنة المنصب أو الجاه وقد يكون الابتلاء بالتباس الحق بالباطل فلا يستطيع ضعيف الإيمان أن يفرق بينهما فيقع في الباطل ويزل أو قد يكون الافتتان ساعة الاحتضار حينما يتهيأ الشيطان للإنسان على هيئة أمه أو أبيه -كما ورد في الحديث - ويحاول أن يصرفه عن دينه يقول له أنا أبوك مت على النصرانية أو اليهودية فهي الدين الحق و لا يزال به حتى يصرفه عن الدين الحق فإن كان ضعيف الأيمان فقد يموت على غير دين الإسلام و العياذ بالله .

ونعود الآن إلى تفسير الآيات : ألم : وتقرأ : ألف لآم ميم : والحروف المتقطعة في أوائل السور تأتي للتنبه على إعجاز القرآن. أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون : استفهام إنكاري أي أظن الناس أن يتركوا من غير إفتتنان لمجرد قولهم باللسان آمنا ؟ كلا لابد من الابتلاء والتمحيص. وفي بيان هذا الأمر تطمين للمؤمنين كي يوطنوا أنفسهم على الصبر على البلاء و الأذى وأن يثبتوا على الإيمان.  و لقد فتنا الذين من قبلهم : أي و لقد اختبرنا وامتحنا من سبقهم بأنواع التكاليف و المصائب والمحن ، قال البيضاوي : والمعنى أن ذلك سنة قديمة ، جارية في الأمم كلها ، فلا ينبغى أن يتوقع خلافه . فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين : أي فليميزن الله بين الصادقين في دعوى الإيمان و بين الكاذبين  .

فماذا أعددت يا عبد الله لهذا الامتحان الذي هو آتٍ لا محالة ؟ هل أعددت له إيماناً راسخاً كرسوخ الجبال ؟ أم أعددت له يقيناً صادقاً صلباً كالحديد لا يلين ؟ أم هل أعددت لذلك الامتحان قلباً عامراً بذكر الله مشرقاً بنور القرآن ولساناً تالياً لآيات الله آناء الليل وأطراف النهار؟ أم قد استعديت له بصيام الهواجر وقيام الليل ؟ أم بالصدقة والسعي على الفقراء و الأرامل والأيتام والمحتاجين ؟ إذا كان هذا شأنك فهنيئاً لك بالنجاح والفوز بالجنة إن شاء الله ، و إن لم يكن عندك شيء من ذلك فتدارك نفسك فإنك على خطر عظيم .

 

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .

 


(88) يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ ... الآية

 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

يقول الله تعالى : "  يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً و جنواً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا . إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم و إذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الطنونا . هتالك أبتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديدا  "

كان هذا هو يوم الأحزاب ، يوم أن تحزبت أمم الكفر من المشركين واليهود والوثنيين على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام فتنادوا من كل حدب وصوب ، فاجتمع كفار مكة مع غطفان وبني قريضة وأوباش العرب على حرب المسلمين و جاؤوا بجيوشهم الجرارة وبعددهم وعتادهم وكانوا زهاء اثني عشر ألفاً جاؤوا ليقضوا على الإسلام و يمحوه من الوجود ، وربما كانوا يخططون لفرض نظامٍ عالمي جديد ! و أحاطوا بالمسلمين إحاطة السوار بالمعصم وضيقوا عليهم الخناق في المدينة ودب الرعب و الذعر في الناس وظن كثيرون أن الهلاك واقع لا محالة و أنه لا قبل لأحد من المسلمين بهذه الأعداد ، و لكن المؤمنين كانوا واثقين من نصر الله فكان النصر العظيم من عند الله ، نصر جنده بمعجزة من عنده لم تصمد لها تلك الألوف المؤلفة ولم تستطع الوقوف في وجهها، فولت الأدبار وكان النصر للمؤمنين دون إراقة دماء ولا فقد أرواح ، فقد أرسل الله تعالى ريحا من عنده اقتلعت بيوتهم وكفأت قدورهم وأرسل عليهم الملائكة فزلزلتهم وألقت الرعب في قلوبهم ( و ما يعلم جنود ربك إلا هو )   .

سبحان الله ! هكذا نصر الله يأتي في لحظة العسر ولحظة الشدة والضيق وبأهون الأسباب بل بما لا يخطر على بال أحد ... ولكن أين الإيمان ؟؟ يا هل ترى هل تستطيع أكبر القوى وأعظم الجيوش والدول بما أوتيت من تكنولوجيا وأسلحة نووية و جرثومية وعابرات للقارات وأقمار تجسس ، هل تستطيع أن تثبت على سبيل المثال أما طوفان يرسله الله عليهم فيغرقهم هم و أسلحتهم ومعداتهم ؟! أو ريحا عاتية ذات أعاصير فتقتلعهم وتهلكهم ؟ أو حشرة صغيرة تفتك بهم فتلقيهم صرعى ؟!! إن الله قوي عزيز لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء  .

ثم عد إلى الآيات لترى التصوير القرآني البليغ في وصف حالة الخوف والهلع التي بلغت بالمسلمين في ذلك اليوم العصيب حينما تكالبت قوى الشر وتحالفت على حرب المسلمين وهم قلة لا يتجاوز عددهم ثلاثة آلاف مجاهد أمام اثني عشر مقاتل جاؤوا من كل حدب وصوب ( وإذ زاغت الأبصار ) أي مالت حيرةً وشخوصاً لشدة الهول والرعب (وبلغت القلوب الحناجر) أي  زالت عن أماكنها من الصدور حتى كادت تخرج من الحناجر ( وتظنون بالله الظنونا) أي وكنتم في تلك الحالة الشديدة تظنون الظنون المختلفة وهي مجرد خواطر وإلا فهم مؤمنون بوعد الله ، ولكن المنافقين كانوا يظنون ظن السوء ويقولون ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. (هنالك ابتلي المؤمنون) أي امتحنوا واختبروا ليتميز الصادق من المنافق ( وزلزلوا زلزالاً شديدا) أي وحركوا تحريكا شديداً حتى كأن الأرض تتزلزل تحت أقدامهم ، ولكنهم ثبتوا وسلموا أمرهم لله وقدموا أرواحهم فداءً لدين الله ، فلما علم الله صدق إيمانهم نصرهم بنصر من عنده ( و ما النصر إلا من عند الله ) .وإن ينصركم الله فلا غالب له . نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يمن على المسلمين بنصر من عنده وأن يثبت أقدام المجاهدين في سبيله وأن ينصر الفئة القليلة على الطغمة الكافرة وأن يرد كيد الظالمين في نحورهم وأن يجعل الدائرة عليهم وأن يجعل بأسهم بينهم شديد وأن يرينا فيهم عجائب قدرته ، اللهم يا منزل السحاب و يا هازم الأحزاب اهزم أحزاب الكفر، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم ، اللهم إنهم لا يعجزونك فاهزمهم شر هزيمة يا عزيز يا قوي ، اللهم لا ترفع لهم راية واجعلهم لمن خلفهم آية ، اللهم  أعلي راية الجهاد وأدحض أهل الزيغ والفساد ، اللهم امنن علينا بنصر تقر له عيوننا وتشف به صدور قوم مؤمنين إنك سميع مجيب و بالإجابة جدير

 

 و صلى الله على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين .