كَتبَ رجل إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن اكتبْ إليَّ بالعلم كلِّه؛ فكتب إليه: *إن العلم كثير، ولكن إن استطعتَ أن تلقى اللهَ خفيفَ الظهرِ من دماء الناس، خَميصَ البطنِ من أموالهم، كافَّ اللسانِ عن أعراضهم، لازماً لأمر جماعتهم؛ فافعل*.
يظن بعض الناس أنه إذا احتال على الناس بكلام منمق خوفًا من اطلاعهم على حقيقته وأعماله السيئة، وأنه إذا احتال عليهم وأكل أموالهم وسلبهم حقوقهم بالحِيلة؛ أنه في مأمَنٍ من العاقبة؛ فتراه يحتال في مَطْلِ الحقوق، ويحتال في الإخلاف بالوعود، ويحتال في شروط العقود، ويعيش على التذاكي والجحود، ولسان مقاله: [قَصَدْتُ ولم أقْصِدْ]، و[قُلتُ ولم أَقُلْ]، يُحَلل لنفسه ما يكتسبُه بأنواع الاحتيالات.
،،نعم،،
قد يستطيعُ مخادعةَ الناس وإخفاءَ الأدلة ضِدَّه، لكنْ ذلك لا يخفى على الله جل جلاله، وسيأتي يوم يتمنى فيه أنه أعطى الناسَ حقوقَهم قبل أن ينتزعوها منه انتزاعاً في موقف عظيم، قال تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِیمࣰا (١٠٧) یَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلَا یَسۡتَخۡفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمۡ إِذۡ یُبَیِّتُونَ مَا لَا یَرۡضَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡلِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا یَعۡمَلُونَ مُحِیطًا (١٠٨)} سُورَةُ النِّسَاءِ.
فالله لا يحب الخونة الكاذبين، الذين يستترون من الناس عند ارتكابهم معصية خوفًا وحياءً، ولا يستترون من الله وهو معهم بإحاطته بهم، لا يخفى عليه منهم شيء حين يدَبِّرون خفية ما لا يرضى من القول والعمل، كالدفاع عن المذنب واتهام البريء، وكان الله بما يعملون في السر والعلن محيطًا، لا يخفى عليه شيء، وسيجازيهم على أعمالهم.