الأحد، 5 يناير 2014

(¯`*•أهـل الشام•*´¯) وماذا بعد الظلم ؟ (13) نهايةُ الخليفة الأمويّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك - الجزء الثاني

 

 






وماذا بعد الظلم ؟

أحداث تاريخية هامة وقصص واقعية عن نهاية الظلم

 

 

أخرجها و اعتنى بها :

عبد الحميد بن عبد الرحمن السحيباني

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم




 

(13) نهايةُ الخليفة الأمويّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك - الجزء الثاني

 

 

قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطَّبريّ :

قتل يزيد بن الوليد الناقص للوليد بن يزيد :

قد ذكرنا بعض أمر الوليد بن يزيد وخلاعته و مجانته وفسقه وما ذكر عن تهاونه بالصَّلوات واستخفافه بأمر دينه قبل خلافته وبعدها؛ فإنَّه لم يزدد في الخلافة إلَّا شرًّا ولهواً ولذة وركوباً للصَّيد وشرب المسكر و منادمة الفُسَّاق ؛ فما زادتْه الخلافةُ على ما كان قبلها إلا تمادياً وغروراً، فثقل ذلك على الأمراء والرَّعية والجند، وكرهوه كراهة شديدة، وكان من أعظم ما جنى على نفسه حتى أورثه ذلك هلاكه ، إفساده على نفسه بني عميه هشام والوليد بن عبد الملك مع إفساد اليمانية ، وهي أعظم جند خراسان؛ وذلك أنَّه لما قتل خالد بن عبد الله القسري وسلمه إلى غريمه يوسف بن عمر الذي هو نائب العراق إذ ذاك فلم يزل يعاقبه حتى هلك ، انقلبوا عليه وتنكَّروا له وساءهم قتلُه، ثم روى ابن جرير بسنده أنَّ الوليدَ بن يزيد ضرب ابنَ عمِّه سليمان بن هشام مائة سوطاً و حلق رأسَه ولحيتَه وغرَّبه إلى عمان فحبسه بها، فلم يزل هناك حتى قتل الوليد ، وأخذ جارية كانت لآل عمِّه الوليد بن عبد الملك ، فكلَّمه فيها عمر بن الوليد فقال : لا أردُّها. فقال: إذًا تكثر الصَّواهل([1]) حول عَسكرك. وحبس الأفقم يزيد بن هشام ، و بايع لولديه الحكم و عثمان ، و كانا دون البلوغ ، فشقَّ ذلك على النَّاس أيضاً و نصحوه فلم ينتصح ، و نهوه فلم يرتدع و لم يقبل .

قال المدائنيُّ في روايته : ثقل ذلك على الناس ورماه بنو هشام وبنو الوليد بالكفر والزندقة وغشيان أمهات أولاد أبيه، وباللُّواط وغيره، وقالوا: قد اتَّخذ مائة جامعة على كل جامعة اسم رجل من بني هاشم ليقتله بها، ورموه بالزَّندقة، وكان أشدهم فيه قولاً يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان الناسُ إلى قوله أميل؛ لأنَّه أظهر النُّسك والتَّواضع، ويقول: ما يسعنا الرِّضا بالوليد حتى حمل الناس على الفتك به. قالوا: وانتدب للقيام عليه جماعة من قضاعة واليمانية وخلق من أعيان الأمراء وآل الوليد بن عبد الملك ، وكان القائم بأعباء ذلك كلِّه و الدَّاعي إليه يزيد بن الوليد بن عبد الملك ، و هو من سادات بني أمية ، و كان ينسب إلى الصَّلاح والدِّين والوَرَع ، فبايعه الناس على ذلك .

وقد نهاه أخوه العبَّاسُ بن الوليد فلم يقبل، فقال : والله لولا أنِّي أخاف عليك لقيَّدتُك وأرسلتُك إليه، واتَّفق خروج الناس من دمشق من و باء وقع بها، فكان ممَّن خرج الوليد بن يزيد أمير المؤمنين في طائفة من أصحابه نحو المائتين، إلى ناحية مشارف دمشق، فانتظم إلى يزيد بن الوليد أمره وجعل أخوه العباسُ ينهاه عن ذلك أشدَّ النَّهي ، فلا يقبل ، فقال العباس في ذلك :

إني أعيذكم بالله من فتن

 

 

مثل الجبار تسامى ثم تندفع

إن البرية قد ملت سياستكم

 

 

فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا

لا تلحمن ذئاب الناس أنفسكم

 

 

إن الذئاب إذا ما ألحمت رتعوا([2])

لا تبقرن بأيدكم بطونكم

 

 

فثم لا حسرة تغني و لا جزع




فلما استوثق ليزيد بن الوليد أمرُه، وبايعه مَن بايعه من الناس، قصد دمشق فدخلها في غيبة الوليد، فبايعه أكثر أهلها في الليل، وبلغه أنَّ أهلَ المزة قد بايعوا كبيرهم معاوية بن مصاد ، فمضى إليه يزيد ماشياً في نفر من أصحابه، فأصابهم في الطريق خطر شديد ، فأتوه فطرقوا بابه ليلا ثم دخلوا، فكلمه يزيد في ذلك فبايعه معاوية بن مصاد ، ثم رجع يزيد من ليلته إلى دمشق على طريق القناة وهو على حمار أسود، فحلف أصحابه أنه لا يدخل دمشق إلا في السلاح، فلبس سلاحا من تحت ثيابه فدخلها، وكان الوليد قد استناب على دمشق في غيبته عبد الملك بن محمد بن الحجَّاج بن يوسف الثَّقَفيّ ، وعلى شرطتها أبا العاج كثير بن عبد الله السَّلَميّ، فلما كان ليلة الجمعة اجتمع أصحاب يزيد بين العشائين عند باب الفراديس ، فلما أذن العشاء الآخرة دخلوا المسجد ، فلما لم يبق في المسجد غيرهم ، بعثوا إلى يزيد بن الوليد فجاءهم فقصدوا باب المقصورة ففتح لهم الخادم ، فدخلوا فوجدوا أبا العاج و هو سكران ، فأخذوا خزائن بيت المال و تسلَّموا الحواصل ، و تقوَّوا بالأسلحة ، و أمر يزيد بإغلاق أبواب البلد ، و أن لا يفتح إلا لمن  يعرف .

فلما أصبح الناس قدم أهل الحواضر من كل جانب فدخلوا من سائر أبواب البلد ، كل أهل محلة من الباب الذي يليهم ، فكثرت الجيوش حول يزيد بن الوليد بن عبد الملك في نصرته ، و كلهم قد بايعه بالخلافة .

و قد قال فيه بعضُ الشعراء في ذلك :

فجاءتهم أنصارهم حين أصبحوا

 

 

سكاسكها أهل البيوت الصنادد([3])

وكلب فجاؤوهم بخيل وعدة

 

 

من البيض والأبدان ثم السواعد

فأكرم بها أحياء أنصار سنة

 

 

هم منعوا حرماتها كل جاحد

و جاءتهم شيبان و الأزد شرعا

 

 

وعبس و لخم بين حام وذائد([4])

وغسان والحيان قيس وتغلب

 

 

وأحجم عنها كل وان([5]) وزاهد

فما أصبحوا إلا وهم أهل ملكها

 

 

قد استوثقوا من كل عات ومارد




وبعث يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن مصاد في مائتي فارس إلى قطنا ليأتوه بعبد الملك بن محمَّد بن الحجَّاج نائب دمشق وله الأمان، وكان قد تحصَّن هناك، فدخلوا عليه فوجدوا عنده خرجين في كلِّ واحد منهما ثلاثون ألف دينارا، فلما مرُّوا بالمزة قال أصحاب ابن مصاد : خذ هذا المال؛ فهو خير من يزيد بن الوليد. فقال: لا والله لا تحدث العرب أني أول من خان. ثم أتوا به يزيد بن الوليد فاستخدم من ذلك المال جندا للقتال قريبا من ألفي فارس، وبعث به مع أخيه عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك خلف الوليد بن يزيد ليأتوا به، وركب بعض موالي الوليد فرسا سابقا فساق به حتى انتهى إلى مولاه من الليل، وقد نفق الفرس من السوق، فأخبره الخبر فلم يصدِّقه وأمر بضربه، ثم تواترت عليه الأخبار فأشار عليه بعض أصحابه أن يتحول من منـزله ذاك إلى حمص؛ فإنَّها حصينة .

و قال الأبرش سعيد بن الوليد الكلبي : أنزل على قومي بتدمر ، فأبى أن يقبل شيئا من ذلك؛ بل ركب بمن معه ، و هو في مائتي فارس ، و قصد أصحاب يزيد فالتقوا بثقلة في أثناء الطريق فأخذوه ، و جاء الوليد فنـزل حصن البخراء الذي كان للنعمان بن بشير ، و جاءه رسول العبَّاس بن الوليد : إني آتيك - وكان من أنصاره - فأمر الوليد بإبراز سريره فجلس عليه وقال: أعليّ يتوثب الرِّجال وأنا أثب على الأسد و أتخصَّر الأفاعي ؟

و قدم عبد العزيز بن الوليد بمن معه ؛ وإنما كان قد خلص معه من الألفي فارس ثمانمائة فارس، فتصافُّوا فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل من أصحاب العباس جماعة حملت رؤوسهم إلى الوليد، وقد كان جاء العباس بن الوليد لنصرة الوليد بن يزيد ، فبعث إليه أخوه عبد العزيز فجيء به قهراً حتى بايع لأخيه يزيد بن الوليد ، واجتمعوا على حرب الوليد بن يزيد، فلما رأى الناس اجتماعَهم فرُّوا من الوليد إليهم ، و بقي الوليد في ذل وقل من الناس ، فلجأ إلى الحصن فجاؤوا إليه و أحاطوا به من كلِّ جانب يحاصرونه ، فدنا الوليد من باب الحصن فنادى : ليكلمني رجل شريف . فكلَّمه يزيد بن عنبسة السكسكي ، فقال الوليد : ألم أدفع الموت عنكم؟ ألم أعط فقراءكم؟ ألم أخدم نساءكم ؟ فقال يزيد : إنَّما تنقم عليك انتهاك المحارم وشرب الخمور ونكاح أمهات أولاد أبيك ، و استخفافك بأمر الله عز وجل . فقال : حسبك يا أخا السكاسك ؛ لقد أكثرت و أغرقت ، و إن فيما أحل الله لي لسعة عما ذكرتَه . ثم قال : أما و الله لئن قتلتموني لا ترتقن فتنتكم و لا يلم شعثكم([6]) و لا تجتمع كلمتكم .

و رجع إلى القصر فجلس و وضع بين يديه مصحفا فنشره وأقبل يقرأ فيه وقال : يوم كيوم عثمان . واستسلم، وتسور عليه أولئك الحائط، فكان أول من نزل إليه يزيد بن عنبسة ، فتقدم إليه و إلى جانبه سيف فقال : نحه عنك . فقال الوليد : لو أردت القتال به لكان غير هذا ، فأخذ بيده و هو يريد أن يحسبه حتى يبعث به إلى يزيد بن الوليد ، فبادره عليه عشرة من الأمراء ، فأقبلوا على الوليد يضربونه على رأسه ووجهه بالسيوف حتى قتلوه ، ثم جروه برجله ليخرجوه ، فصاحت النسوة فتركوه، و احتز أبو علاقة القضاعي رأسه ، واحتاطوا على ما كان معه مما كان خرج به في وجهه ذلك ، و بعثوا به إلى يزيد مع عشرة نفر ، منهم منصور بن جمهور وروح بن مقبل وبشر مولى كنانة من بني كلب ، و عبد الرحمن الملقب بوجه الفلس ، فلما انتهوا إليه بشَّروه بقتل الوليد وسلَّموا عليه بالخلافة ، فأطلق لكل رجل من العشرة عشرةَ آلاف، فقال له روح بن بشر بن مقبل : أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الوليد الفاسق . فسجد شكراً لله ورجعت الجيوش إلى يزيد ، فكان أول من أخذ يدَه للمبايعة يزيد بن عنبسة السكسكي فانتزع يده من يده و قال : اللهمَّ إن كان هذا رضى لك فأعنِّي عليه .

وكان قد جعل لمن جاءه برأس الوليد مائة ألف درهم، فلما جيء به –وكان ذلك ليلة الجمعة ، و قيل يوم الأربعاء - لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين و مائة . فأمر يزيد بنصب رأسه على رمح و أن يطاف به في البلد ، فقيل له : إنما ينصب رأس الخارجي . فقال : والله لأنصبنه . فشهره في البلد على رمح ثم أودعه عند رجل شهرا ثم بعث به إلى أخيه سليمان بن يزيد ، فقال أخوه : بعدا له ، أشهد أنك كنت شروبا للخمر ماجنا فاسقا ، ولقد أرادني على نفسي هذا الفاسق وأنا أخوه ، لم يأنف من ذلك .

و قد قيل : إنَّ رأسَه لم يزل معلَّقاً بحائط جامع دمشق الشَّرقيِّ ممَّا يلي الصحن حتى انقضت دولة بني أمية . و قيل : إنما كان ذلك أثر دمه، و كان عمره يوم قتل ستًّا وثلاثين سنة ، وقيل ثمانيا وثلاثين، وقيل إحدى و ثلاثين ، و قيل اثنتان ، و قيل خمس ، و قيل ست وأربعون سنة ، و مدة ولايته سنة و ستة أشهر على الأَشْهَر ، و قيل ثلاثة أشهر .

قال ابن جرير : كان شديدَ البطش طويلَ أصابع الرجلين ، كانت تضرب له سكة الحديد في الأرض و يربط فيها خيط إلى رجله ثم يثب على الفرس فيركبها ولا يمس الفرس ، فتنقلع تلك السكة من الأرض مع و ثبته .



([1]) الصواهل: الخيول.

([2]) رتعوا: أقاموا وأكلوا وشربوا في مكان فيه خصب وسعة.

([3]) الصنادد: الشجعان.

([4]) ذائد: حام ومدافع.

([5]) وان: ضعيف، خامل.

([6]) شعثكم: تفرقكم.