الجمعة، 3 يونيو 2016

(¯`*•أهـل الشام•*´¯) لا تحزن - ( الذِّكْرُ الجميلُ عمرٌ طويلٌ - أُمَّهاتُ المراثي - وقفــــــةٌ )





لا تحزن

 

للشيخ /  عائض القرني

 

 

الذِّكْرُ الجميلُ عمرٌ طويلٌ - أُمَّهاتُ المراثي - وقفــــــةٌ



الذِّكْرُ الجميلُ عمرٌ طويلٌ 


 

منْ سعادِة العبدِ المسلمِ أنْ يكون لهُ عمرٌ ثانٍ ، وهو الذِّكْرُ الحسنُ ، وعجباً لمنْ وجد الذكْر الحسنَ رخيصاً ، ولمْ يشترِهِ بمالِه وجاهِه وسعيِه وعملِه .

وقدْ سبق معنا أنَّ إبراهيم عليهِ السلامُ طلب منْ ربِّه لسان صدْقٍ في الآخرِين ، وهو : الثَّناءُ الحسنُ ، والدعاءُ له .

وعجبْتُ لأُناسٍ خلَّدوا ثناءً حسناً في العالمِ بحُسْنِ صنيعهِم وبكرمهِم وبذْلِهم ، حتى إنَّ عُمَرَ سأل أبناء هرِم بنِ سنانٍ : ماذا أعطاكمْ زهيرٌ ، وماذا أعطيتُموهُ ؟ قالوا : مَدَحَنا ، وأعطيناهُ مالاً . قال عمرُ : ذهب واللهِ ما أعطيتموهُ ، وبقي ما أعطاكمْ .

يعني : الثناءُ والمديحُ بقي لهمْ أبد الدّهرِ .

أولى البرِيَّةِ طُرَّا أنْ تُواسِيهُ



عند السُّرورِ الذي واساك في الحزنِ

إن الكرام إذا ما أُرسِلُوا ذكرُوا


 

منْ كان يألفُهم في المنزلِ الخشنِ


أُمَّهاتُ المراثي

 

 

هناك ثلاثُ قصائد خلَّدتْ منْ قِيلتْ فيهم :

ابنُ بقيَّة الوزيرُ الشهيرُ ، قتلهُ عَضُدُ الدولةِ ، فرثاهُ أبو الحسنِ الأنباريُّ بقصيدتِه الرائعةِ العامرةِ ، ومنها :

عُلُوٌّ في الحياةِ وفي المماتِ



لحقٌّ تِلْك إحدى المُعجزاتِ

كأنَّ الناس حوْلك حين قاموا



وفودُ نداك أيام الصِّلاتِ

كأنَّك واقِفٌ فيهم خطيباً



وهمْ وقفُوا قِياماً للصَّلاةِ

مددت يديْك نحوهمُو اختفاءً



كمدِّهما إليهمْ بالهِباتِ

ولما ضاق بطنُ الأرضِ عنْ أنْ



يُواروا فيه تلك المكْرُماتِ

أصاروا الجوَّ قبرك واستعاضوا



عليك اليوم صوت النّائِحاتِ

وما لك تُربةٌ فأقولُ تُسقى


لأنَّك نُصْب هطْلِ الهاطِلاتِ

عليك تحيَّة الرحمنِ تتْرى



بتبريكِ الفؤادِ الرّائِحاتِ

لِعظْمِك في النُّفُوسِ تباتُ تُرعى



بحُراسٍ وحُفَّاظٍ ثقاتِ

وتُوقدُ حولك النيرانُ ليلاً

 

كذلك كُنت أيام الحياةِ

ما أجمل العباراتِ ، وما أجمل الأبياتِ ، وما أنْبَلَ هذهِ المُثُل ، وما أضخم هذهِ المعاني . الله ما أجْملها من أوسمةٍ ، وما أحسنها من تِيجان !!

لمَّا سمع هذه الأبيات عضدُ الدولة الذي قتلهُ ، دمعتْ عيناه وقال : وددتُ واللهِ أنني قُتلتُ وصُلِبْتَ ، وقيِلتْ فيَّ .

ويُقتلُ محمدُ بنُ حميدٍ الطوسيُّ في سبيلِ اللهِ ، فيقولُ أبو تمام يرثيه :

كذا فليجلَّ الخطبُ وليَفْدحِ الأمرُ



فليْس لِعَيْنٍ لم يفِضْ ماؤها عُذْرُ

تُوفِّيتِ الآمالُ بعد محمَّدٍ



وأصبح في شُغلٍ عن السَّفرِ السَّفرُ

تردَّ ثياب الموت حُمْراً فما دَجَى

 

لها الليلُ إلا وهي منْ سُنْدُسٍ خُضْرُ

 إلى آخرِ ما قال في تلك القصيدةِ الماتِعةِ ، فسمِعها المعتصمُ ، وقال : ما مات من قِيلتْ فيه هذهِ الأبياتُ .

ورأيتُ كريماً آخر في سلالةِ قُتيبة بنِ مسلمٍ القائدِ الشهيرِ ، هذا الكريمُ بذل ماله وجاههُ ، وواسى المنكوبين ، ووقف مع المصابين وأعطى المساكين ، وأطعم الجائعين ، وكان ملاذاً للخائفين ، فلمَّا مات ، قال أحدُ الشعراء :

مضى ابنُ سعيدٍ حين لم يبق مشرِقٌ



ولا مغرِبٌ غلاَّ لهُ فيهِ مادحُ

وما كنتُ أدري ما فواضِلُ كفِّهِ



على الناسِ حتى غيَّبتْهُ الصَّفائحُ

وأصبح في لحدٍ مِن الأرضِ ضيِّقٍ



وكانتْ به حيّاً تضِيقُ الصَّحاصحُ

سأبكيك ما فاضتْ دموعي فإنْ تفِضْ



فحسْبُك مني ما تجِنُّ الجوابِحُ

فما أنا مِنْ رُزْءٍ وإنْ جلَّ جازِعٌ



ولا بسرورٍ بعد موتِك فارِحُ

كأنْ لم يُمتْ حيٌّ سواك ولم تقُمْ



على أحدٍ إلا عليك النَّوائِحُ

لئنْ عظُمتْ فيك المراثي وذكْرُها

 

لقد عظمتْ مِنْ قبلُ فيك المدائحُ

وهذا أبو نواس يكتبُ تاريخ الخصيبِ أميرِ مِصْرِ، ويسجِّل في دفترِ الزمانِ اسمه فيقولُ :

إذا لم تزُرْ أرض الخصيبِ ركابُنا



فأيَّ بلادٍ بعدهنَّ تزورُ

فما جازهُ جودٌ ولا حلَّ دونه



ولكنْ يسيرُ الجودُ حيثُ يسيرُ

فتىً يشتري حُسْن الثَّناءِ بمالِه

 

ويعلمُ أنَّ الدَّائراتِ تدورُ

ثم لا يذكُرُ الناسُ منْ حياةِ الخصيبِ ، ولا منْ أيامِه إلا هذهِ الأبيات .

 

وقفــــــةٌ

 

((اللهمَّ اقِسمْ لنا مِنْ خشيتِك ما تحُولُ به بيننا وبين معاصيك ، ومنْ طاعتِك ما تُبلُغُنا به جنَّتك ، ومن اليقينِ ما تُهوِّنُ به علينا مصائب الدنيا ، ومتِّعْنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوَّتِنا ما أحْييْتنا ، واجْعلْه الوارِث منا ، واجعلْ ثأرنا على منْ ظَلَمَنا ، وانصُرْنا على منْ عادانا ، ولا تجعلْ مصيبتنا في ديننِا ، ولا تجعلِ الدُّنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ عِلْمِنا ، ولا تُسلِّطْ علينا بذنوبنا منْ لا يرحمُنا )) .

قال عليُّ بنُ مقلة :

إذا اشتملتْ على اليأسِ القلوبُ



وضاق لما بهِ الصَّدرُ الرَّحيبُ

وأوْطنتِ المكارهُ واطمأنَّتْ



وأرستْ في أماكنِها الخطوبُ

ولم تر لانكشافِ الضُّرِّ وجهاً



ولا أغنى بحِيلتِهِ الأريبُ

أتاك على قُنُوطِك منهُ غَوْثٌ



يمُنُّ به القريبُ المُستجيِبُ

وكُلُّ الحادثاتِ وإن تناهتْ


 

فموصولٌ بها فرجٌ