نداءات المؤمنين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ( الجزء الأول )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
منهج الله عز وجل منهج تفصيلي يشمل كل حياة الإنسان ونشاطاته:
أيها الأخوة الكرام، مع درس جديد من دروس يا أيها الذين آمنوا، آية اليوم:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) }
( سورة الحج)
أولاً الحقيقة الأولى أن كل أمر في القرآن الكريم، وكل أمر في السنة الصحيحة يقتضيان الوجوب، فمنهج الله عز وجل ليس صلاة وصياماً وحجاً وزكاة ليس غير، منهج الله عز وجل مجموعة الأوامر في القرآن والنواهي، ومجموعة الأوامر في السنة والنواهي، هذا منهج تفصيلي يشمل كل حياة الإنسان، وكل نشاطاته، لذلك هنا الأمر يا أيها الذين آمنوا أدوا الصلاة، عبر الله عن الصلاة بأخطر معنيين من معانيها بالركوع والسجود أنت حينما تقرأ الفاتحة تقول:
{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }
من أراد أن يُحَدِّث ربه فليدعه و من أراد أن يُحدِّثه ربه فليقرأ القرآن:
ثم تقول قوله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ (77) }
( سورة الحج)
أنت حينما قلت لله عز وجل اهدنا الصراط المستقيم، جاء الجواب الآيات التي سوف تتلوها بعد الفاتحة، لذلك قالوا، إذا أردت أن تحدث ربك فادعه، وإن أردت أن يحدثك ربك فاقرأ القرآن، إذا قلت:
{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) } يقول الله عز وجل:
{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (53) }
( سورة الإسراء)
ألم تطلب من الله الصراط المستقيم ؟ الجواب فحوى الآيات التي ستتلوها بعد الفاتحة، ما الركوع ؟ الركوع خضوع يا رب سمعاً وطاعة لا في اعتراض، ولا في تحفظ، ولا في استثناء، ولا في تمني، ألا يكون الأمر هكذا، خضوع كامل، لذلك قالوا: العبادة غاية الخضوع وغاية الحب.
الركوع خضوع لله والسجود طلب العون منه:
الركوع يعني يا رب أنا خاضع لك لكنني ضعيف السجود، يا رب أعني على طاعتك، فالركوع خضوع والسجود طلب العون من الله، لذلك ورد في بعض الأحاديث:
ألا أنبئكم بمعنى لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول عن معصيته إلا به، ولا قوة على طاعته إلا به.
{ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ }
( سورة يوسف )
{ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ }
( سورة إبراهيم )
{ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ(40) }
( سورة إبراهيم )
غاية العبادة أن تخضع، وأن تستعين على طاعة الله بالله، إذاً الركوع خضوع والسجود طلب العون من الله، الركوع والسجود يقابل إياك نعبد وإياك نستعين، لذلك قيل جمع القرآن في الفاتحة، وجمعت الفاتحة في إياك نعبد وإياك نستعين، لذلك الآية الكريمة عبرت عن الصلاة بأبرز موقفين لك فيها:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا (77) }
( سورة الحج)
الدين الإسلامي منهج كامل:
لكن لئلا تتوهم أن الدين صلاة فقط، الدين منهج كامل، صدقوا ولا أبالغ قد يزيد عن خمسمئة ألف بند، في فراشك، مع أهلك، مع أولادك، وأنت تغتسل في منهج، وأنت تنام في طريقة، وأنت تأكل، وأنت تغضب، وأنت في الطريق، وأنت في عملك، وأنت في دكانك، وأنت في متجرك، وأنت في عيادتك، وأنت في مكتبك الهندسي، وأنت في السفر، وأنت في الصحة، وأنت في المرض، وأنت في الغنى، وأنت في الفقر، يدور معك منهج الله في كل شؤون حياتك، لذلك إياك نعبد وإياك نستعين:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ (77) }
( سورة الحج)
طبقوا كل منهجه:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) }
( سورة الحج)
الصلاة هي أبرز شيء في الدين صلة بالله:
إذاً العبادة الخضوع التام لتفاصيل المنهج، أبرز شيء في الدين صلة بالله الصلاة، ذلك أن الحج يسقط عن الفقير والمريض، والصيام يسقط عن المسافر والمريض، والزكاة تسقط عن الفقير، والنطق بالشهادة مرة واحدة، ما الفرض الذي لا يلغى أبداً ويتكرر ؟ الصلاة
(( الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن تركها فقد هدم الدين ))
[ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن عمر ]
أيها الأخوة، من معاني الصلاة الصيام، إنك في أيام الصيام تمتنع عن الطعام والشراب، لكنك وأنت تصلي تمتنع عن الطعام والشراب والكلام والحركة، ففي امتناع في الصلاة، وفي الصلاة معنى الزكاة، لأن الوقت أصل في كسب المال، أعرف بائع عصير في سوق الحميدية حينما يؤذن الظهر في الأموي أمامه والله عشرات من الزبائن يغلق المحل ويذهب إلى الصلاة، نظرياً في نصف ساعة قد يبيع مئتي كيس، فالوقت أصل في كسب المال، أنت في الصلاة وقفت عملك، وتوجهت إلى الله، ففي معنى الزكاة أنت أنفقت أصل المال، الوقت أصل في كسب المال، ففي معاني الصلاة الزكاة، وفي معاني الصلاة الصيام، وفي معاني الصلاة الحج، أنت في الصلاة تتوجه إلى بيت الله الحرام، وفي معاني الصلاة فحوى الصلاة الاتصال بالله عز وجل، لذلك:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ (77) }
( سورة الحج)
أهم عبادة في الإسلام الصلاة وأهم ما في الصلاة موقف الركوع :
الآن أضع يدي على نقطة دقيقة جداً، إنسان يشكو لي أنه يصلي لا يحس بشيء، يقرأ القرآن لا يحس بشيء، يذكر الله لا يحس بشيء مع أنه مستقيم، أقول الاستقامة تحقق السلامة، الله يحفظ لك مالك، وأهلك، ومكانتك، وسمعتك، لأنك مستقيم، لكن السعادة تحتاج إلى بذل، إلى عطاء :
{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110) }
( سورة الكهف )
إذاً أنت فضلاً عن أن الله يأمرك أن تركع، وأن تسجد، وأن تعبد الله في تفاصيل المنهج، ليس لك أن تذبح شاة أمام أختها، ليس لك أن تفتح جوف السمكة قبل أن تسكن، ما دام تتحرك إنك تعذبها، هناك توجيه نبوي لو قرأت الفقه تجد أن هناك عشرات ألوف التوجيهات، هذا هو المنهج، لذلك :
{ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا (77) }
( سورة الحج)
أهم عبادة في الإسلام الصلاة ، و أهم ما في الصلاة موقف الركوع مما قرأت بعد الفاتحة وموقف السجود .
على كل إنسان أن يحقق الهدف من وجوده :
{ وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ (77) }
( سورة الحج)
هناك تفاصيل المنهج، مع الزوجة، مع الأولاد، في البيت، في الطريق، في الغنى، في الفقر، في السفر، في الحضر، واعبدوا ربكم في تفاصيل المنهج، لا يكفي :
{ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ (77) }
( سورة الحج)
لابد من أن تقدم شيئاً، أن تقدم من مالك، من وقتك، من علمك، من راحتك، من مكانتك، من جاهك، بقدر ما تقدم تسعد بالصلاة :
{ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) }
( سورة الحج)
ما الفلاح ؟ أن تحقق الهدف من وجودك .
من قَبِل حمل الأمانة سخر الله له ما في السماوات و الأرض جميعاً منه :
الله عز وجل حينما قال :
{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ }
( سورة الأحزاب الآية: 72 )
فلما قَبِل حمل الأمانة سخر الله له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه:
{ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ }
( سورة الجاثية الآية: 13 )