الاستقامة في مائة حديث نبوي
الدكتور محمد زكي محمد خضر
الباب السابع الإستقامة في تزكية النفوس
ـ 98 ـ عدم التكلف ـ 99ـ ذكر الموت
ـ 98 ـ عدم التكلف
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " نُهينا عن التَكلُّف " .
(رواه البخاري)
التكلف شكل من أشكال الرياء ، فهو تصنُّع الفعل في غير موضعه ابتغاء مديح أو سمعة أو اتصاف المرء بما ليس من صفاته حقيقة . قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: من علم شيئا فليقم به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم ، فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم الله أعلم ، قال اللّه تعالى " قُل ما أسألُكُم عَليه من أجر وما أنا منَ المُتَكَلّفينَ " .
يتكلف كثير من الناس تصرفات مختلفة بحيث شاع بينهم كذب الأفعال وهو ما يدعى اليوم بالتقاليد الاجتماعية ، فترى المرء يعيش في ضنك وينفق الكثير ابتغاء سمعة أو دفعا لقول سوء قد يلحقه في مناسبة فرح أو عزاء ، وترى الناس يتركون فعلا يريدونه متصنعين الأعذار جاعلين حياتهم عبأ ثقيلا ، حتى أن الأرحام لتقطع تكلفا . أما المؤمن فيصنع الفعل ببساطة ودون إخفاء شيء وإظهار آخر ، ولا يتكلف أن يفعل فعلا ليس بنيته فعله.
وقد يقود التكلف إلى ارتكاب المعاصي: كالدَّيْنِ ثم المماطلة فيه وعدم وفائه ، أو الاكتساب من الحرام . كما قد يقود إلى الكذب والبحث عن الحجج الواهية لتبرير فعل معين . إن التكلف هو في حقيقته النظر إلى الأمور بعين السطحية ، أي في مظاهرها دون جوهرها . والتكلف هو مقدمة إلى النفاق ، حين يظهر المرء ما لا يبطن. كما أن أحد أسباب التكلف هو الكبر ، حيث يخشى المرء مثلا أن يقول عن أمر لا يعرفه: لا أعلم ، فيتكلم فيه بغير علم . إن قول الشعر لمن لم يؤت القابلية اللازمة له تكلف ، و التظاهر بزي الأغنياء للفقراء من التكلف... وهكذا.
يحب هذا الدين أن يتصرف المرء على سجيته دون اصطناع للتصرف فليس التكلف من فعل المؤمن المستقيم.
ـ 99ـ ذكر الموت
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم:
" أكثروا ذكرَ هاذم اللَّذات " ، يعني الموت.
(رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه والطبراني)
الحياة الدنيا بالنسبة للمؤمن دار سفر وإنما الحياة حياة الآخرة ، فهو يتذكرها كثيرا . وتذكره هذا يدفعه إلى المزيد من الإعداد لها . وذلك وسيلة لتزكية النفس وتذكيرها بخالقها وما عليها من واجبات ، وذلك كان دأب الأنبياء ، حيث وصفهم الله تعالى: "إنّا أخلَصناهُم بخالصَة ذكرى الدار "(29).ـ
إن تذكر الموت وما بعده من أهوال القيامة والحشر والحساب والجنة والنار هو وسيلة لتزكية نفس المؤمن ، فإذا ما تذكر العقاب خشي أن يفعل المعاصي وإزداد في عمل الخير. وعلى المؤمن أن يتذكر الموت بين حين وآخر وذلك حين يتذكر من سبقه من الأحياء الذين إنتقلوا إلى الدار الآخرة أو عند زيارة المقابر أو عند أخذه مضجعه للنوم ، فما النوم إلاّ موت مؤقت.
أما نسيان الموت والخوض في الدنيا دون تذكر للقيامة والحساب ، فإنه يؤدي إلى الطغيان والغفلة وارتكاب الآثام دون رادع من مراقبة أو محاسبة وعندها يقترب المرء من النار وهو لا يدري حتى إذا أدركه الموت " قالَ رَبّ ارجعون لَعَلّي أعمَلُ صالحا فيما تَرَكتُ " فلا يستجاب له " كَلاّ إنَّها كَلمَة هو قائلُها ومن ورائهم بَرزَخ إلى يوم يُبعَثونَ " (30).ـ
المراجع :
ـ29ـ سورة ص الآية 86.
ـ30ـ سورة ص الآية 46.