الاستقامة في مائة حديث نبوي
الدكتور محمد زكي محمد خضر
الباب السابع الإستقامة في تزكية النفوس
ـ 95 ـ الحذر من الحسد ـ 96 ـ اجتناب الظن
ـ 95 ـ الحذر من الحسد
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" الحَسَد يأكُلُ الحَسَنات كَما تأكُلُ النّارُ الحَطَب "
(أخرجه أبو داود وإبن ماجه)
المؤمن ينظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيحمد الله تعالى ويمد يد العون إلى غيره ، وهو ينظر في أمور الآخرة إلى من هو فوقه فيتسابق إلى عمل الخير: " فاستَبقوا الخيرات " (22).ـ
الحاسد لا يرضى بقدر الله وقضاءه وقسمته لنعمه بين عباده. قال تعالى: " قُل إنَّما حَرَّم ربيَ الفواحشَ ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ " ـ(23) ، قيل إن ما بطن هو الحسد. قال الحسن البصري: يا بن آدم لم تحسد أخاك؟ فإن كان الذي أعطاه كرامة عليه فلم تحسد من أكرمه الله؟ وإن كان غير ذلك فلم تحسد من مصيره إلى النار؟
والحاسد عدو لنعم الله تعالى: " أم يَحسُدونَ النّاسَ على ما آتاهُم اللّهُ من فَضله " (24). وقال عون بن عبد الله يعِظُ الفضل بن المهلب وهو يومئذ والي واسط: إياك والحسد فإنما قتل إبن آدم أخاه حين حسده: " واتلُ عليهم نَبأ ابني آدم بالحق إذ قَرَّبا قُربانا فَتُقُبّلَ من أحَدهما ولَم يُتَقَبَّل منَ الآخَر قالَ لأقتُلَنَّكَ قال إنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ منَ المُتَّقينَ " (25).ـ
والحسد ظلم لأنه تمني زوال نعمة من الله على الغير وهو مكر سيئ ، " ولا يَحيقُ المَكرُ السيئُ إلاّ بأهله " (26) فلله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله كمدا وحسرة.
والحسد محرَّم إلاّ في موضعين: هما أن يرى المرء رجلا أوتي علما فهو يعمل به ويعلّمه الناس ، أو رجلا أوتي مالا فهو ينفقه في سبيل الله فهو يتمنى أن يكون مثلهما ، أو مثل أحدهما لا أن يتمنى زوال النعمة عنهما.
ـ 96 ـ اجتناب الظن
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" إيّاكُم والظَن ، فإنّ الظَنّ أكذَبُ الحَديث "
(متفق عليه)
قال الله تعالى: " يا أيُّها الّذينَ آمَنوا اجتَنبوا كَثيرا منَ الظَنّ إنّ بَعضَ الظَنّ إثم " (27). يجب على المسلم أن يحسن الظن بالمسلمين فلا يتّبع عوراتهم لأدنى شبهة ، خاصة فيما لايعنيه. أما الحذر فهو غير الظن: قال تعالى: " وخُذوا حذرَكُم " (28)ـ كما أن المؤمن كيِّسٌ فَطِن ، ولايُلدغ من جُحْرٍ مرتين ، فإذا ما استنتج من ظواهر معينة أمورا خفية فيها مصلحة للمسلمين ، فذلك غير الظن السوء المنهي عنه.
إن من الناس من لا يثق بأحد ، فهو على الدوام يظن بهم سوءا ولا يتصور حسن نية من أحد. وهذا داء لصاحبه يقلب حياته شقاء ولا ينعم بساعة من حياته. أما الخطرات التي تخطر ببال الإنسان فلا يتبعها بتحقق الأمور التي خطرت له ولا يتحدث بها ولا يبالي بها فهي من حديث النفس المعفو عنه ما لم يتبع ذلك بتجسس وتتبع لعورات المسلمين . وكثيرا ما يكون الظن معبِّرا عما في داخل نفس المرء نفسه ، فإن كان منافقا ظن أن كل الناس منافقون ، وإن كان غشاشا ظنهم كذلك ، وإن كان مرائيا ظن أن الناس كذلك . أما المؤمن فيحسن الظن بالمسلمين ويفسر الأمور على أصلح وجه ويلتمس الأعذار لغيره ، فإن أخطأ في حسن الظن مائة مرة خير من أن يخطئ بسوء الظن مرة واحدة.
المراجع :
ـ22ـ سورة البقرة الآية 144 و سورة المائدة الآية 48.
ـ23ـ سورة الأعراف الآية 33.
ـ24ـ سورة النساء الآية 54.
ـ25ـ سورة المائدة الآية 27.
ـ26ـ سورة فاطر الآية 43.
ـ27ـ سورة الحجرات الآية 12.
ـ28ـ سورة التغابن الآية 102.