الاستقامة في مائة حديث نبوي
الدكتور محمد زكي محمد خضر
الباب السابع الإستقامة في تزكية النفوس
ـ 93 ـ محاسبة النفس
عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" الكيّسُ مَن دانَ نَفسَهُ وعَملَ لما بَعدَ الموت والعاجزُ مَن أتبَعَ نَفسَهُ هواها وتَمَنّى على اللّه الأماني " (رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم)ـ
قال الله تعالى: " قَد أفلَحَ مَن زَكّاها وَقَد خابَ مَن دَسّاها " (13) ، فالمحاسبة خير وسيلة لتقويم إعوجاج النفس بين حين وآخر لغرض تزكيتها . ويكون أساس المحاسبة هو مقارنة ما تفعله النفس مع ما يطلبه الشرع. فإن كانت قد وفّتْ ، فهل يمكنها أن تزيد إحسانا ؟ وإن كانت مقصّرَةً ، فما السبيل إلى تقويم اعوجاجها ؟ والوسيلة إلى تنفيذ ذلك هو مخالفة هواها . قال الله تعالى: " وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبّه ونَهى النَّفسَ عَن الهوى فإنّ الجَنَّةَ هيَ المأوى "(14).ـ
قال الإمام علي رضي الله عنه: إنما أخشى عليكم اثنين: طول الأمل ، وإتباع الهوى ، فإن طول الأمل ينسي الآخرة وإن اتباع الهوى يصد عن الحق ، وإن الدنيا قد إرتحلت مدبرة وإن الآخرة مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل . إن على المرء أن يقاوم شهوات نفسه ولا يستسلم لها أبدا فكل شهوة يستسلم لها يمكن أن تؤدي به إلى نار جهنم . فشهوة الطعام والشراب إن إستسلم لها أكل الحلال والحرام وربما ترك الصيام ، وشهوة الفرج إن إستسلم لها قادته إلى الفاحشة ، وشهوة الإنتقام إن إستسلم لها قادته إلى الظلم ، وشهوة التسلط إن إستسلم لها قادته إلى العجب والطغيان وشهوة التكاثر بالأموال والأولاد إن استسلم لها قادته إلى اكتساب االمال الحرام وحسد الناس وظلمهم وعدم دفع الزكاة ، وشهوة النوم والخمول والكسل تقوده إلى تَرْكِ الصلاة وترك الإكتساب ، وحب الحياة إن إستسلم لها تَرَك الجهاد. ويريد الله أن يُعِينَ المسلم على أن يكون حاكما لأهواء نفسه بمخالفتها فيما ليس من صالحها . إسمع قوله تعالى: " لَن تَنالوا البرَّ حَتّى تُنفقوا مما تُحبّون " (15) ، وبَيَّن " إن النَّفسَ لأمّارَة بالسوء " (16)ـ. وقد أوضحت السنة المطهرة حدود مخالفة الهوى لأن هذه المخالفة ليست مقصودة بذاتها بل لتقويم إعوجاج النفس وتطويعها ، وإلاّ إن زادت عن حدها إنقلبت إلى رهبانية مبتدعة ليس للمرء فيها من ثواب.
قيل لأحد الصالحين(17): إن فلانا يمشي على الماء ، فقال عندي أن من مكنّه الله تعالى من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي في الهواء. وقال أبو سليمان الدارني(18): من أحسن في ليله كوفئ في نهاره ، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله ، ومن صدق في ترك شهوة كوفئ مؤنتها ، والله أكرم من أن يعذب قلبا ترك شهوة لأجله. قال الله تعالى: " والّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهديَنَّهُم سُبُلَنا وإن اللّهَ لَمَعَ المُحسنينَ " (19).ـ
المراجع :
ـ13ـ سورة الشمس الآيتان 9 و 10.
ـ14ـ سورة النازعات الآيتان 40 و 41.
ـ15ـ سورة آل عمران الآية 92.
ـ16ـ سورة يوسف الآية 53.
ـ17ـ أبو محمد عبدالله بن محمد المرتعش النيسابوري ، صحب الجنيد وأبا عثمان وأقام ببغداد بمسجد الشونيزية . كان معروفا بالمكاشفات ، توفي ببغداد سنة 328هـ.
ـ18ـ أبو سليمان عبد الرحمن بن عطية الدارني: ينسب إلى قرية داريا من قرى دمشق. كان عالما ورعا . توفي سنة 215هـ.
ـ19ـ سورة العنكبوت الآية 48.