الاستقامة في مائة حديث نبوي
الدكتور محمد زكي محمد خضر
ـ 23 ـ مخالفة أهل الباطل - 24ـ إتقان العمل
ـ 23 ـ مخالفة أهل الباطل
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" خالفوا المشركينَ أحفوا الشواربَ و أوفروا اللّحى "
(رواه البيهقي)(33)
إن دين الله الحق دين كامل ، فهو ليس بحاجة إلى الإضافة . والأمة تستمد تعاليم دينها من كتاب الله وهدي نبيه عليه وعلى آله الصلاة والسلام . وهي أمة مستقلة تعتز بشخصيتها واستقلالها ولا ترضى أن تذوب في أهواء غيرها من الأمم . لذلك فلا يرضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يكون المسلمون تبعا لغيرهم يقلدونهم في كل صغيرة وكبيرة . وبناء على هذا سنّ مخالفتهم في عاداتهم ، واحتفالاتهم و مظهرهم وعباداتهم . فحين قدم المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء. ولما علم أن صيامهم هو في ذكرى نجاة موسى عليه السلام من فرعون ، سن صيام عاشوراء ، وقال: " أنا أحق بِموسى منكُم " (34) لكنه سنّ صيام يوم قبله أو يوم بعده. مخالفة لهم وتميزا عليهم ، وبذلك يكون هذا الحديث مكملا ومفسرا لحديث النهي عن البدع الذي سبق. وقد قص القرآن الكريم في عشرات الآيات الأفعال السيئة لبني إسرائيل محذرا من فعل ما يشابهها من قبل هذه الأمة.
والحديث يشير في شقه الثاني إلى مثال واحد على مخالفة المشركين ، ألا وهو إعفاء اللحى واحفاء الشوارب (أي تحديد حافتها بحيث لا يتدلى منها شيء على الشفة العليا). وسنة مخالفة المشركين سنة عامة بمخالفة كل الفرق والمذاهب المخالفة للإسلام وأهل البدع والأفكار المنحرفة والضالة ، للتمايز عنهم ووضع حد فاصل بين المؤمنين الصالحين وبينهم لئلا يلتبس الحق بالباطل على من ليس لديه علم واسع من عامة الناس.أما إذا كان غير المسلمين على حق في أمر ما أو كان لديهم من العلم والمعرفة ما نحتاج فالاقتباس مطلوب شرعا دون أدنى حرج وليس أدل على ذلك من استعمال النقود الرومانية والفارسية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه لحين سك النقود الإسلامية في زمن عبد الملك بن مروان . ولم يجد أحد منهم ضيرا في ذلك ، وحينما سُكَّت النقود طبعت بالطابع الإسلامي المتميز وبذلك تمت مخالفة نهج الكفار من الفرس والروم .
ـ 24ـ إتقان العمل
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
" إن اللّه يُحبُّ إذا عَمِلَ أحَدَكُم عملا أن يُتقِنَهُ "
(رواه البيهقي في شعب الإيمان)
إتقان العمل هو عبادة مستقلة عن العمل . فأنت تعمل العمل من أمور الآخرة أو الدنيا مما ليس فيه معصية لله تعالى بنية صالحة فتثاب على ذلك لأن ذلك عبادة . فإن أتيت بذلك العمل على أكمل وجه كان ذلك عملا إضافيا له أجره المستقل ، وهو ما يحبه الله تعالى . فقد خلق الله تعالى " الإنسان في أحسن تقويم " (35) وهو " الذي أحسنَ كل شيء خَلَقَهُ " (36)ـ. وكذلك يريد لعباده إتقان الأعمال.
إن المسلمين اليوم كثيرا ما يعملون العمل فلا يتقنونه ، وهذا هو أحد أسباب تأخرهم ، في الوقت الذي أخذت الأمم الأخرى بإتقان العمل الدنيوي فتقدمت . وإتقان العمل هو غير الحرص على الدنيا الذي نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عنه في أحاديث أخرى(37). فالمؤمن يتقن العمل ابتغاء وجه الله وهو يعيش في الدنيا وقد أفرغ قلبه من التعلق بها وبمباهجها والحرص عليها . ومن أتقن العمل لقي الجزاء ، وأقل الجزاء هو الجزاء الدنيوي.
فالمؤمن إذا عمل عملا أتقنه لأن الله يحب ذلك ، فهو يُحَضِّرُ كل مستلزماته ويبحث عن مقومات النجاح ويخطط لإكمالها ويتعاون مع غيره في سبيل ذلك ، ويفرغ جهده كله في إنجاح العمل ، وأثناء كل ذلك يتكل على الله تعالى ويدعوه بالتوفيق والسداد ، وهو لا ينتظر من ذلك جزاءً دنيويا لأن نتيجة العمل قد تظهر في حياته وربما بعد مماته ، وهكذا فإن إتقان المسلم للعمل هو عبادة إضافية يرجو ثوابها من الله تعالى .
المراجع :
ـ33ـ الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ولد سنة 384هـ ، وتتلمذ على يد الحاكم ، ألف في فقه الشافعي وهو صاحب الكتاب الضخم ـالسننـ في عشر مجلدات في الأحاديث النبوية . توفي سنة 458هـ .
ـ34ـ حديث: " أنا أحق بموسى منكم " رواه البخاري عن إبن عباس رضي الله عنهما .
ـ35ـ سورة التين الآية 4: " لقَد خَلقنا الإنسانَ في أحسَنِ تَقويم "
ـ36ـ سورة السجدة الآية 7: " الذي أحسَنَ كُلّ شيء خَلَقَهُ وبَدأ خَلقَ الإنسانِ من طين " .
ـ37ـ راجع الحديث ـ11ـ وشرحه .