عن أنس- رضي الله عنه- قال:
((إنكم لتعملون أعمالا هي أدقُّ في أعينكم من الشَّعْرِ،
كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات)).
رواه البخاري
((الموبقات)) : المهلكات.
في هذا الحديث:
لقد تغيَّرت الأمور عما كانت عليه في عهد النبي صلى الله علبه وسلم واختلفت أحوال الناس، وصاروا
يتهاونون في بعض الأمور العظيمة التي كانت في عهد الصحابة رضي الله عنهم.
مثل صلاة الجماعة، والتي
كانت لا يتخلَّف أحد عنها إلا منافق أو مريض معذور،
ولكن الناس تهاونوا بها ولم يكونوا على ما كان عليه
الصحابة- رضي الله عنهم - في عهد النبي صلى الله عليه وسلم،
بل إن الناس في عهدنا صاروا يتهاونون
بالصلاة نفسها لا بصلاة الجماعة فقط، فلا يصلُّون، أو يصلُّون ويتركون،
أو يوخِّرون الصلاة عن وقتها، كل هذه
أعمال يسيرة عند بعض الناس،
لكنها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة-
رضي الله عنهم - كانت تُعَدُّ
من الموبقات(المهلكات).
وكذلك أيضا الغش في عهد النبي - عليه الصلاة والسلام - قال:
((من غشَّ فليس مني)). لكن انظر إلى الناس
اليوم تجد أن الغش عندهم أهون من كثير من الأشياء، بل إن بعضهم -
والعياذ بالله- يعد الغش من الشطارة في
البيع والشراء والعقود، ويرى أن هذا من باب الحذق والذكاء- والدهاء نسأل الله العافية- مع أن النبي صلى الله
عليه وسلم تبرأ من الإنسان الذي يغش الناس.
ومن ذلك الكذب: والكذب من الأشياء العظيمة في عهد الصحابة- رضي الله عنهم -
فيرونه من الموبقات، لكن
كثيرا من الناس يَعُدُّه أمرا هيِّنا، فتجده يكذب ولا يبالي بالكذب،
مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال
الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)).
وربما يكذب في أمور أخطر فيجحد ما يجب عليه للناس،
أو يدَّعي ما ليس له ويحاكمهم عند القاضي ويحلف على ذلك، فيكون- والعياذ بالله- ممن يلقى الله وهو عليه
غضبان. إلى غير ذلك من المسائل الكثيرة التي يعدها الصحابة من المهلكات، ولكن الناس اختلفوا فصارت في
أعينهم أدقَّ من الشعر، وذلك لأنه كلما قوي الإيمان عَظُمَتِ المعصية عند الإنسان،
وكلما ضعف الإيمان خفَّت
المعصية في قلب الإنسان ورآها أمرًا هينا، يتهاون ويتكاسل عن الواجب ولا يبالي، لأنه ضعيف الإيمان.