روايات صحيحة مختارة من رياض الصالحين و حياة الصحابة
للإمام المحدّث الفقيه أبي زكريا يحيى بن شرف بن النووي
إعداد
مشروع الجليس الصالح
بسم الله الرحمن الرحيم
27 – باب فضل الزهد في الدنيا والحث عَلَى التقلل منها و فضل الفقر ( الجزء الثاني )
464- 263- وعن أَبي ذر رضي الله عنه ، قَالَ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبي صلى الله عليه و سلم في حَرَّةٍ([1]) بِالمَدِينَةِ ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ ، فقال : (( يَا أَبَا ذَرٍّ )) قلت : لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله . فقال : (( مَا يَسُرُّنِي أنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَباً تَمْضي عَلَيَّ ثَلاَثَةُ أيّامٍ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ ، إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ ، إِلاَّ أنْ أقُولَ بِهِ في عِبَادِ الله هكذا وَهَكَذَا وَهكَذَا )) عن يَمِينِهِ وعن شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ، ثُمَّ سَارَ ، فقال : (( إنَّ الأَكْثَرينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلاَّ مَنْ قَالَ بالمَالِ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا )) عن يمينِهِ وعن شِمَالِهِ وِمنْ خَلْفِهِ (( وَقَلِيلٌ مَاهُمُ )) . ثُمَّ قَالَ لي : (( مَكَانَكَ لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيكَ )) ثُمَّ انْطَلَقَ في سَوادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى ، فَسَمِعْتُ صَوتاً ، قَدِ ارْتَفَع ، فَتَخَوَّفْتُ أنْ يَكُونَ أحَدٌ عَرَضَ للنَّبيِّ صلى الله عليه و سلم ، فَأرَدْتُ أنْ آتِيهِ فَذَكَرتُ قَوْله : (( لا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ )) فلم أبْرَحْ حَتَّى أتَاني ، فَقُلْتُ : لَقَدْ سَمِعْتُ صَوتاً تَخَوَّفْتُ مِنْهُ ، فَذَكَرْتُ لَهُ ، فقال : (( وَهَلْ سَمِعْتَهُ ؟ )) قلت : نَعَمْ ، قَالَ : (( ذَاكَ جِبريلُ أتَانِي . فقال : مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ )) ، قلت : وَإنْ زَنَى وَإنْ سَرَقَ ؟ قَالَ : (( وَإنْ زَنَى وَإنْ سَرَقَ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ البخاري .
465- 264- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قَالَ : (( لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَباً ، لَسَرَّنِي أنْ لاَ تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ لَيالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
466- 265- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أجْدَرُ أنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، و هذا لفظ مسلم .
وفي رواية البخاري : (( إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ في المَالِ وَالخَلْقِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَل مِنْهُ )) .
467- 266- وعنه ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قَالَ : (( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَالدِّرْهَمِ ، وَالقَطِيفَةِ([2]) ، وَالخَمِيصَةِ ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ )) رواه البخاري .
468- 267- وعنه رضي الله عنه ، قَالَ : لَقَدْ رَأيْتُ سَبعِينَ مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ ، مَا منهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ : إمَّا إزارٌ ، وَإمَّا كِسَاءٌ ، قَدْ رَبَطُوا في أعنَاقِهِمْ ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْن ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَراهِيَةَ أنْ تُرَى عَوْرَتُهُ . رواه البخاري .
469- 268- وعنه ، قَالَ : قَالَ رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ ، وَجَنَّةُ الكَافِرِ )) رواه مسلم .
470- 269- وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بِمَنْكِبَيَّ ، فقال : (( كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ )) .
وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما ، يقول : إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . رواه البخاري .
قالوا في شَرْحِ هَذَا الحديث معناه : لاَ تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا وَلاَ تَتَّخِذْهَا وَطَناً ، وَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِطُولِ البَقَاءِ فِيهَا ، وَلاَ بِالاعْتِنَاءِ بِهَا ، وَلاَ تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إِلاَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَريبُ في غَيْرِ وَطَنِهِ، وَلاَ تَشْتَغِلْ فِيهَا بِمَا لاَ يَشْتَغِلُ بِهِ الغَرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهَابَ إِلَى أهْلِهِ ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ .
471- 270- وعن أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : يَا رسولَ الله ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أحَبَّنِي اللهُ وَأحَبَّنِي النَّاسُ ، فقال : (( ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبّك اللهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبّك النَّاسُ )) حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة .
472- 271- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، قَالَ : ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه ، مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا ، فَقَالَ : لَقَدْ رَأيْتُ رسول الله صلى الله عليه و سلم يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأ بِهِ بَطْنَهُ . رواه مسلم .
(( الدَّقَلُ )) بفتح الدَّال المهملة والقاف : رديءُ التمرِ .
473- 272- وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : تُوفي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وَمَا في بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ في رَفٍّ لي ، فَأكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ . متفقٌ عَلَيْهِ.
قولها : (( شَطْرُ شَعير )) أيْ : شَيْءٌ مِنْ شَعير ، ، كَذَا فَسَّرَهُ التُرْمذيُّ ([3]).
474- 273- وعن عمرو بن الحارث أخي جُوَيْرِيّة بنتِ الحارِث أُمِّ المُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنهما ، قَالَ : مَا تَرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه و سلم عِنْدَ مَوْتِهِ دِيناراً ، وَلاَ دِرْهَماً ، وَلاَ عَبْداً ، وَلاَ أَمَةً ، وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيضَاءَ الَّتي كَانَ يَرْكَبُهَا ، وَسِلاَحَهُ ، وَأرْضاً جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً . رواه البخاري .
263- أخرجه : البخاري 8/74 ( 6268 ) ، ومسلم 3/75 ( 94 ) ( 32 ) .
264- أخرجه : البخاري 8/118 ( 6445 ) ، ومسلم 3/74 ( 991 ) ( 31 ) .
265- أخرجه: البخاري 8/128 ( 6490 )، ومسلم 8/213 ( 2963 ) ( 8 ) و( 9 ).
266- أخرجه : البخاري 8/114 ( 6435 ) .
267- أخرجه : البخاري 1/120 ( 442 ) .
268- أخرجه : مسلم 8/210 ( 2956 ) ( 1 ) .
269- أخرجه : البخاري 8/110 ( 6416 ) .
270- أخرجه : ابن ماجه ( 4102 ) ، والحاكم 4/313 .
271- أخرجه : مسلم 8/220 ( 2978 ) ( 36 ) .
272- أخرجه : البخاري 8/119 ( 6451 ) ، ومسلم 8/218 ( 2973 ) ( 27 ) .
273- أخرجه : البخاري 4/2 ( 2739 ) .