الخميس، 3 أبريل 2014

(¯`*•أهـل الشام•*´¯) مِنْ قَصَصِ أئمةِ الحَدِيثِ المُتقدّمين وَنوادرِهم في تتبعِ سُنّةِ سيّدِ المُرْسلين والذبِّ عنها --5- يا أبة إنّ هؤلاء أصحاب الحديثِ، ولا آمن أنْ يُغَلطوكَ ! - -6- " لا يحل الكفّ عنه لأنَّ الأمرَ دين " "وتعالوا حتى نغتابَ في الله عز وجل"






مِنْ قَصَصِ أئمةِ الحَدِيثِ المُتقدّمين وَنوادرِهم في تتبعِ سُنّةِ سيّدِ المُرْسلين والذبِّ عنها

 

 

تأليفُ

د.علي بن عبد الله الصّياح

 

 

-5- يا أبة إنّ هؤلاء أصحاب الحديثِ، ولا آمن أنْ يُغَلطوكَ ! - -6- " لا يحل الكفّ عنه لأنَّ الأمرَ دين " "وتعالوا حتى نغتابَ في الله عز وجل"

 

 

-5- يا أبة إنّ هؤلاء أصحاب الحديثِ، ولا آمن أنْ يُغَلطوكَ!

 

قَالَ البَرذعيُّ :

قُلْتُ لأبي زُرْعةَ : قُرّةُ بنُ حَبِيب تغير؟

فَقَالَ: نَعم، كُنّا أنكرناهُ بِأَخَرَةٍ، غَيرَ أنّه كَانَ لا يُحَدّثُ إلاّ مِنْ كِتابهِ، وَلا يُحَدّثُ حَتى يحضرَ ابنُهُ ثُمّ تَبسّمَ .

فَقُلْتُ: لِمَ تَبسمتَ ؟

قَالَ: أتيتُهُ ذَاتَ يومٍ، وَأبو حَاتم، فَقَرعنَا عَليهِ البابَ، واستأذنَا عَليهِ، فَدَنَا مِنْ البابِ ليفتحَ لنَا، فَإذا ابنتُه قدْ لَحِقت([1])، وَقَالَتْ لهُ: يا أبة إنّ هؤلاء أصحاب الحديثِ، ولا آمن أنْ يُغَلطوكَ أو يُدْخِلُوا عَليكَ مَا ليسَ مِنْ حَدِيثكَ فَلا تخرجْ إليهم حَتى يجيء أخي - تعني عَلي بن قُرّة -.

فَقَالَ: لها أنا أحفظُ، فَلا أمكنهم ذاكَ .

فَقَالتْ : لستُ أدعكَ تخرج فإني لا آمنهم عليكَ .

فَمَا زَالَ قُرّة يَجتهدُ وَيحتجُ عَليها في الخروجِ وَهي تمنعُهُ، وَتحتجُ عَليه في تركِ الخروجِ إلى أنْ يجيء عَلي بنُ قُرّة حَتى غَلَبت عَليهِ وَ لمْ تَدعهُ .

قَالَ أبو زُرْعةَ : فَانصرفنَا وَقَعدنَا حَتى وافى ابنُهُ عَلي .

قَالَ أبو زُرْعةَ : فَجَعَلتُ أعجبُ مِنْ صَرامتِهَا وَصيانتها أباها))([2]).



-6- " لا يحل الكفّ عنه لأنَّ الأمرَ دين " "وتعالوا حتى نغتابَ في الله عز وجل"

 

قَالَ حمادُ بنُ زيد: كلمنا شُعْبة في أبان بنِ أبي عياش([3]) وسألناه الكف عنه فَقَالَ : إنّه وإنّه، فقلنا: نُحبُ أنْ تُمْسكَ عَنه، فَقَالَ: نعم، قَالَ حمادُ: فبينا أنا في المنزلِ في يومٍ مطيرٍ إذا شُعْبة يخوضُ الماءَ أسمعُ خوضَهُ فناداني: يا أبا إسماعيل!، يا أبا إسماعيل !، فأجبتُه فَقَالَ: هو ذا أمضي استعدى على أبان، فقلتُ له: ألمْ تضمنْ لنا أنكَ تمسكُ فَقَالَ: لا أصبرُ لا أصبرُ ومَضَى ([4]).

قَالَ حمادُ بنُ زيد : وكانَ شُعْبة يتكلمُ في هذا حُسْبة .

وفي روايةٍ : قَالَ حمادُ بنُ زيد : كَلمنا شُعْبة في أنْ يكف عَنْ أبان بنِ أبي عياش لسنِّهِ وأهلِ بيتِهِ ، فَضَمِنَ أنْ يَفعلَ ثم اجتمعنَا في جنازةٍ فَنَادى مِنْ بعيدٍ: يا أبا إسماعيل! إني قد رَجعتُ عَنْ ذاكَ، لا يحلّ الكف عنه لأنَّ الأمرَ دين([5]) .

وقَالَ غُنْدَرُ :((رَأيتُ شُعْبة رَاكباً عَلى حِمَارٍ، فَقيلَ لهُ: أينَ تُريدُ يا أَبا بِسْطام ؟ قَالَ : أذهبُ فاستعدي على هذا - يعني جعفر بن الزبير - وَضَعَ عَلى رسولِ الله صلى الله عليه و سلم أربعَ مائة حَدِيث كذبٍ))([6]) .

وقَالَ الشافعيُّ:((لولا شُعْبة ما عُرِفَ الحَدِيثُ بالعِراق، وَكَانَ يجيءُ إلى الرجلِ فيقولُ: لا تحدثْ، و إلاَّ استعديتُ عَليكَ السُّلطان))([7]).

قَالَ هشيمُ بنُ بَشير: لو كَانَ شُعْبة حيّاً استعدى عليه -أي عَلى إبراهيمِ بنِ هُدْبة لأنه  يروي مناكير ([8]).

قال وهب بن جرير بن حازم: كان شُعْبة يجيء إلى أبى - وهو عَلى حِمَارٍ - فيقولُ: كيفَ سمعتَ الأعمش يحدّث بحديثِ كذا وكذا؟، فيقول أبى: كذا وكذا، فيقولُ شُعْبة: هكذا واللهِ سمعتُ الأعمشَ يحدّث به، فيسألهُ عن أحاديث مِنْ أحاديثِ الأعمش فإذا حدّثه أبى فيقولُ: هكذا سمعتُ الأعمشَ يحدّث به، ثم يضربُ حِمَاره ويذهبُ([9]).

وَقالَ أبو زَيد النحويّ الأنصاريّ:((أتيتُ شُعْبة يومَ مَطَر فَقَالَ: ليسَ هذا يوم حَدِيثٍ، اليوم يومُ غِيبة، تعالوا حتى نغتابْ الكذابين))([10]).

وقَالَ سفيانُ بنُ عُيينة:((كَانَ شُعْبة يقولُ : تعالوا حتى نغتابَ في الله عز وجل))([11])، قَالَ ابنُ رَجَب : ((يعني نذكر الجرحَ و التعديلَ))([12]) .

و رئي شُعْبة - مرّةً - رَاكباً عَلى حِمَارٍ فقيل له : أينَ يا أبا بسطام ؟ قال : أذهبُ إلى أبي الربيع السّمّان أقول لهُ : لا تكذبْ على رسولِ الله صلى الله عليه و سلم . ([13])

قَالَ الذهبيُّ : ((شُعْبة بن الحجاج..الإمام الحافظ، أميرُ المؤمنين في الحَدِيث ، أبو بِسطام .. الواسطيُّ عالم أهل البصرة وشيخها.. رَوَى عنه عَالمٌ عظيمٌ، وانتشر حديثُهُ في الآفاق .. و مِنْ جَلالتِهِ قد رَوَى مالكٌ الإمام، عَنْ رَجلٍ عنه، وَهَذا قلَّ أنْ عَمِلَهُ مَالكٌ .

وَ كَانَ أبو بِسطام إمَاماً، ثَبْتاً، حُجةً، ناقداً، جِهْبِذاً، صالحاً، زاهداً، قانعاً بالقوتِ، رأساً في العِلم والعمل، مُنْقطعَ القرين، وهُو أوَّلُ مَنْ جَرَّحَ وَعَدَّلَ، أَخَذَ عَنْهُ هذا الشَّأن: يحيى .. القطان ، وابنُ مَهدي وطائفة، وَكَانَ سفيانُ الثوريُّ يخضعُ له، وَيُجلُّه و يقولُ : شُعْبة أمير المؤمنين في الحَدِيث))([14]) .

وَقَالَ أيضاً:((قَالَ أبو بكر البكراويّ: ما رأيتُ أحداً أعبدَ لله مِنْ شُعْبة، لقد عَبَدَ الله حتى جفَّ جلده على عظمه واسود، وَقَالَ حمزة بنُ زياد الطوسيّ: سمعتُ شُعْبة وكان ألثغ قد يبس جلدُهُ من العبادة... وَقَالَ أبو قَطَن: ما رأيتُ شُعْبة قد ركعَ إلا ظننتُ أنّه نسي، ولا سَجَدَ إلا قلتُ نسي، قال يحيى القطان: كَانَ شُعْبة رقيقا يعطي السائل ما أمكنه، قال أبو قطن: وكانت ثيابه لونها كالتُّرابِ، وكان كثيَر الصلاة، قال أحمدُ بنُ حنبل: كان شُعْبة أمة وحده في هذا الشأن - يعني في الرجالِ وبصرهِ بالحديثِ -، رَوَى عبدانُ بنُ عثمان عن أبيه قال : قَومنا حمارَ شُعْبة و سرجه و لجامه بضعة عشر درهما))([15]) .

قال وكيعٌ : ((إني لأرجو أنْ يرفعَ اللهُ لشعبة درجات في الجنة بِذَبه عَنْ رسول الله صلى الله عليه و سلم))([16]) .

لَطيفةٌ : قَالَ ابنُ عُيينةَ: سَمعتُ شُعْبة يقولُ : ((مَنْ طَلَبَ الحَدِيثَ أفلَسَ! ، بعتُ طَسْتَ أُمّي بسبعةِ دَنانير))([17]) .

وَ قَالَ أحمدُ بنُ حنبل : ((أقام شُعْبة عَلى الحَكَم بنِ عُتَيْبةَ ثمانية عَشَرَ شَهْراً، حتى بَاعَ جُذُوعَ بيتهِ ))([18]) .

 

 



([1]) في المطبوع (خفت) وقد راجعت كتب اللغة لأجد معنى من معاني (خفت) يناسب السياق فلم أجد إلاّ أن يكون بمعنى خفضت صوتها، ثمّ وجدت النّصَ نقَلَه همامُ سعيد في مقدمتهِ "لشرح علل الترمذي"(1/104) معزواً إلى النسخة الخطية (لوحة 154/ب) وفيه (لحقت) وهذا أقرب للسياق.

([2])سؤالات البرذعي (2/575)، هذا النّص النفيس الذي يفيد في دراسة حال قرة بن حبيب لم يذكره المزيّ ولا مغلطاي ولا ابنُ حجر ولا الذهبيّ في رجال الكتب الستة.

وهذا مما يؤكد أنّ على الباحثِ عند دراسة راوٍ مختلف فيه- وربما كان تحرير الكلام على هذا الراوي يترتب عليه أحكاما عملية هامة كقوة روايةٍ أو ضعفها ونحو ذلك - أن لا يكتفي بالرجوع إلى المختصرات و الكتب المتأخرة–كما هو الجاري في كثير من الأحيان في هذا الوقت طالباً للراحة وسهولة المعلومة !-، بل لا بدَّ من الرجوع إلى المصادر الأصلية المتقدمة من تواريخ و سؤالات وعلل وغيرها-وكلما كان البحث أخطر كان الرجوع إلى هذه المصادر ألزم وأوجب.

ومن هنا ينبغي التنبه إلى أنَّ دراسة حال الراوي-المختلف فيه- ليست بالأمر الهيّن –كما يظن البعض- بل ربما راجع الباحث عشرات الكتب، ودرس عشرات الأسانيد للبحث عَنْ فائدة معينة، أو التحقق منها، وربما بدأ بدراسة حال الراوي من مولده ونشأته إلى وفاته لاستخلاص حكم دقيق لحاله، وتأمل حال النقاد في هذا الباب: قال أبو زرعة :((نظرتُ في نحو ثمانين ألْف حديث من حديث ابن وهب بمصر فلا أعلمُ أنى رأيتُ حديثاً له لا أصل له وهو ثقة)) الجرح (5/189).

وقال محمدُ بنُ إبراهيم بن أبي شيخ:((جاء يحيى بنُ معين إلى عفّان ليسمع منه كتب حماد بن سلمة، فقال له: أما سمعتها من أحد؟ قال: نعم، حدثني سبعة عشر نفسا عَنْ حماد، فقال: والله لا حدثتك، فقال: إنما هو درهم، وأنحدرُ إلى البصرة فأسمع من التبوذكيّ فقال: شأنك، فانحدر إلى البصرة وجاء إلى التبوذكي فقال له: أما سمعتها من أحد؟ قال: سمعتها على الوجه من سبعة عشر وأنت الثامن عشر، قال: وما تصنع بهذا؟ قال: إنّ حماد بن سلمة كان يخطئ فأردت أن أميّزَ خطأه من خطأ غيره فإذا رأيتُ أصحابه اجتمعوا على شيء علمتُ أنّ الخطأ من حماد نفسه، وإذا اجتمعوا على شيء عنه، وقال واحد منهم بخلافه، علمتُ أنّ الخطأ منه لا من حماد، فأميز بين ما أخطأ هو بنفسه، وبين ما أخطىء عليه)) المجروحين (1/32). 

قال ابن حبان :(( ولقد دخلتُ حمص وأكثر همي شأن بقية فتتبعت حديثه  وكتبت النسخ على الوجه وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه فرأيته ثقة مأمونا ولكنه كان مدلسا..)) المجروحين(1/200).

فالمطلوب من الباحث بذل الوسع والجهد عند دراسة حال راوٍ، والله الموفق.

وفي قصة هذه البنت من الفوائد:

فقه هذه البنت، وَحُسْنُ معرفتها بخطرِ المُحَدّثين. فياليت شباب وفتيات المسلمين يلتفتون إلى مثل هذه السير الرائعة، وما فيها من فوائد تربوية فيعملوا بها.

 وفي هذه القصة نكت علمية تتعلق بأحكام المختلطين، وكيفية معرفة النقاد لضبط الرواة واختبارهم، وجلالة أصحاب الحديث وهيبتهم في القلوب، وأنّ لهم حركة وأثراً في المجتمع.

([3]) أبان بن أبي عياش متروك الحَدِيث قاله أحمد بن حنبل، و الفلاس، و أبو زرعة وغيرهم.التهذيب (1/85).

([4]) تقدمة الجرح والتعديل (ص171)، الكامل في ضعفاء الرجال (1/382)، الضعفاء لأبي نُعَيم (ص53)، الكفاية في علم الرواية ( ص: 44).

([5])ضعفاء العقيلي (1/39)

([6])ضعفاء العقيلي (1/182)، تهذيب الكمال (5/34).

([7])تقدمة الجرح والتعديل (ص127).

([8])ضعفاء العقيلي (1/69).

([9])مسند ابن الجعد (ص127رقم795)، تقدمة الجرح (136ص)،الكفاية في علم الرواية (ص216).

([10])موضح أوهام الجمع والتفريق (2/494)، الكفاية في علم الرواية (ص45)، وانظر: الضعفاء للعقيلي (1/11،15)، حلية الأولياء (7/152).

([11])الضعفاء للعقيلي (1/11).

([12])شرح علل الترمذي (1/349).

([13])المجروحين (1/172).

([14])سير أعلام النبلاء (7/202).

([15])تذكرة الحفاظ (1/193).

([16])المجروحين (1/13).

([17])سير أعلام النبلاء (7/220).

([18]) العلل ومعرفة الرجال (2/342).