مِنْ قَصَصِ أئمةِ الحَدِيثِ المُتقدّمين وَنوادرِهم في تتبعِ سُنّةِ سيّدِ المُرْسلين والذبِّ عنها
تأليفُ
د.علي بن عبد الله الصّياح
3- قَطَعَ نحو ثلاثة أشهر مسافراً لتحقيق رواية حديثٍ واحد !-4- و أيضاً رحلةٌ طويلةٌ عجيبةٌ لتحقيق رواية حديثٍ واحد
-3- قَطَعَ نحو ثلاثة أشهر مسافراً لتحقيق رواية حديثٍ واحد !
قَالَ المعلميُّ : ((و كان نشاط الأئمة في ذلك آية من الآيات؛ فمن أمثلة ذلك :
قَالَ العراقيّ في شرح مقدمة ابنِ الصلاح : روينا عن مؤمل أنّه قَالَ: حدثني شيخٌ بهذا الحديث – يعني حديث فضائل القرآن سورة، سورة – فقلتُ للشيخ : مَنْ حَّدثكَ؟
فَقَالَ:حدّثني رجلٌ بالمدائن وهو حيّ .
فصرتُ إليه ، فقلتُ : مَنْ حَّدثكَ ؟
فَقَالَ: حَدّثني شيخ بواسط ، وهو حي .
فصرتُ إليه ، فَقَالَ: حَدّثني شيخ بالبصرة .
فصرتُ إليه ، فَقَالَ: حَدّثني شيخ بعبادان .
فصرتُ إليه، فأخذ بيدي، فأدخلني بيتاً، فإذا فيه قومٌ من المتصوفة و معهم شيخ، فَقَالَ: هذا الشيخُ حَدّثني، فقلتُ: يا شيخ مَنْ حَّدثكَ؟ فَقَالَ:لم يحدثني أحدٌ، و لكننا رأينا الناس قد رِغبوا عن القرآن، فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن !.
لعل هذا الرجل قَطعَ نحو ثلاثة أشهر مسافراً لتحقيق رواية هذا الحَدِيث الواحد))([1]).
-4- وأيضاً رحلةٌ طويلةٌ عجيبةٌ لتحقيق رواية حديثٍ واحد
قَالَ نصْر بن حمَّاد الورَّاق:كنا قعوداً على باب شُعْبة؛ نتذاكر، فقلتُ: حَدّثنَا إسرائيلُ، عَنْ أبي إسحاق، عَنْ عبدِ الله بن عطاء، عَنْ عقبة بن عامر، قَالَ: كُنا نتناوبُ رعيَّة الإبل على عهد رسولِ الله صلى الله عليه و سلم، فجئتُ ذات يومٍ والنبي صلى الله عليه و سلم حوله أصحابه؛ فسمعتُه يقول: " من توضأ، فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين فاستغفر الله؛ إلا غفر له".
فقلتُ: بخٍ بخٍ!
فجذبني رجل من خلفي ، فالتفتُّ ؛ فإذا عمر بن الخطاب ، فَقَالَ الذي قبل أحسن ! فقلت : و ما قبل ؟ ! قَالَ: قَالَ: "من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ قيل له : ادخل من أي أبواب الجنة شئت".
قَالَ : فخرج شُعْبة ؛ فَلَطمني ، ثم رجع فدخل ؛ فتنحَّيت من ناحية، قَالَ : ثم خرج؛ فَقَالَ: ما له يبكي بعد ؟ ! فَقَالَ له عبد الله بن إدريس: إنك أسأت إليه! فَقَالَ شُعْبة: انظر ؛ ماذا تحدث ! إنَّ أبا إسحاق حدثني بهذا الحَدِيث، عَنْ عبد الله بن عطاء، عَنْ عقبة بن عامر، قَالَ : فقلنا لأبي إسحاق : مَنْ عبد الله بن عطاء ؟ قَالَ : فغضب ، ومِسعرُ بن كِدَام حاضر ، قَالَ : فقلتُ له : لتصححن لي هذا، أو لأُحَرِّقن ما كتبتُ عنك ! فَقَالَ مِسعر: عبد الله بن عطاء بمكة .
قَالَ شُعْبة: فرحلتُ إلى مكة ، لم أُرد الحج، أردتُ الحَدِيثَ ، فلقيت عبد الله بن عطاء، فسألته ، فَقَالَ : سعد بن إبراهيم حدثني ، فَقَالَ لي مالكُ بنُ أنس : سعد بالمدينة ، لم يحج العام .
قَالَ شُعْبة : فرحلتُ إلى المدينة ، فلقيت سعد بن إبراهيم ، فسألته، فَقَالَ : الحَدِيثُ من عندكم ؛ زياد بن مِخراق حدثني .
قَالَ شُعْبة : فلما ذكر زياداً ، قلت : أيُّ شيءٍ هذا الحَدِيث ؟ ! بينما هو كوفي، إذ صار مدنياً ، إذ صار بصرياً ! .
قَالَ : فرحلتُ إلى البصرة ، فلقيتُ زياد بن مِخراق ، فسألته ، فَقَالَ : ليسَ هو مِنْ بابَتِك ! .
قلتُ: حدثني به، قَالَ: لا ترده! قلتُ: حدثني به .
قَالَ: حدثني شَهْرُ بنُ حَوشَب، عَنْ أبي ريحانة، عَنْ عقبة بن عامر، عَنْ النبي صلى الله عليه و سلم .
قَالَ شُعْبة: فلمّا ذَكَرَ شهر بن حوشب ، قلت : دمَّر هذا الحَدِيث ، لو صح لي مثل هذا عَنْ رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أحب إلى من أهلي ومالي والناس أجمعين ([2]) .
([1])علم الرجال وأهميته (ص 21).
وانظر القصة بتمامها في : الكفاية (ص 401) ، الموضوعات لابن الجوزي (1/393)، وانظر الكلام حولها في: "تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشريّ" للزيلعي (4/345)، النكت لابن حجر (2/862)، تدريب الراوي (1/288).
([2]) الضعفاء الكبير (2/191)، تقدمة الجرح والتعديل (ص167) ، المجروحين (1/28-29) ، الكامل (4/37، 168)، العلل للدارقطني (2/114)، الحلية (7/148)، التمهيد(1/48ـ 49) الرحلة في طلب الحَدِيث (59) الكفاية (ص. 566 ـ 567) القراءة خلف الإمام للبيهقي (ص 207 ـ 208)، تاريخ دمشق (19/217) جامع التحصيل (ص77) وتختلفُ هذه المراجع في ذكر القصة اختصاراً وتطويلاً.