الخميس، 3 أكتوبر 2019

[zmn1.com] آدآب الفقير الى الله 2


* ٢ *

*آداب الفقير إلى الله*

للفقير إلى الله آداب في باطنه وظاهره

وآداب في مخالطته

وآداب في أفعاله.

*فأما أدب باطنه، *

فأن لا يكون فيه كراهة لما ابتلاه الله تعالى به من الفقر،

 فالله أعلم بما يصلح له

وإن كان كارهاً للفقر، فهذا أقل درجاته وهو واجب

 وأرفع من هذا أن لا يكون كارهاً للفقر بل يكون راضياً به، 

وأرفع منه أن يكون طالباً له وفرحاً به، لعلمه بغوائل الغنى، 

كما قال سبحانه: {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)} [العلق: 6، 7].

*وأما أدب ظاهره*

 فأن يظهر التعفف والتجمل، ولا يظهر الشكوى والفقر، 

بل يستر فقره ويستر أنه يستره، مستغنياً بربه مفتقراً إليه وحده، فهؤلاء الفقراء الأغنياء:

 {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273].

وأما في أعماله فأن لا يتواضع لغني لأجل غناه، فهذه رتبة

وأقل منها أن لا يخالط الأغنياء، ولا يرغب في مجالسهم

لأن ذلك من مبادئ الطمع وهو مذموم.

وأما أدبه في أفعاله*

فينبغي له أن لا يفتر بسبب الفقر عن العبادة، ولا يمنع بذل قليل ما يفضل عن حاجته

فإن ذلك جهد المقل، وفضله أكثر مما يبذل عن ظهر غنى.

والسؤال محرم في الأصل، وإنما يباح لضرورة أو حاجة مهمة.

وإنما حرمه الشرع

لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور محرمة:

الأول: أنه إظهار لشكوى الله تعالى،

 إذ السؤال إظهار للفقر، وذكر لقصور نعمة الله تعالى عنه، وهو عين الشكوى لله.

وكما أن العبد المملوك لو سأل غير سيده لكان سؤاله تشنيعاً على سيده

فكذلك سؤال العباد تشنيع على الله تعالى، فهو محرم لا يحل إلا لضرورة كما تحل الميتة للمضطر.

الثاني: أنه فيه إذلال للسائل نفسه لغير الله تعالى

وليس للمؤمن أن يذل نفسه لغير الله، بل عليه أن يذل نفسه لمولاه

فأما الخلق فإنهم عباد أمثاله، فلا ينبغي أن يذل لهم إلا لضرورة، 

وفي السؤال ذل للسائل، وظلم للمسئول من الخلق.

الثالث: أن السؤال لا ينفك عن إيذاء المسؤول غالباً

لأنه ربما لا تسمح نفسه بالبذل عن طيب نفس

 فإن بذل حياء من السائل أو رياء فهو حرام على الآخذ، 

وإن منع ربما استحيا وتأذى في نفسه بالمنع.

ففي المنع نقصان جاهه، وفي البذل نقصان ماله، وكلاهما مؤذيان

والسائل هو السبب في الإيذاء، وأذى المسلم محرم.

*والفقراء أربعة:*

فقير لا يسأل، وإن أعطي لا يأخذ، فهذا بأرفع المنازل.

وفقير لا يسأل، وإن أعطي أخذ، فهذا دونه.

وفقير يسأل عند الحاجة، فهذا دونه

وهؤلاء كلهم محمودون.

وفقير يسأل من غير حاجة وضرورة

فهذا مذموم، وصاحبه مأزور غير مأجور.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ سَألَ النَّاسَ أمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْألُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أوْ لِيَسْتَكْثِر» أخرجه مسلم.

وحب الدنيا رأس كل خطيئة، 

ومقاطعتها إما أن تكون بانزوائها عن العبد

ويسمى ذلك فقراً

وإما بانزواء العبد عنها،

ويسمى ذلك زهداً.

ولكل واحد منهما درجة في نيل السعادة.

والدنيا ليست محذورة لعينها، بل لكونها عائقة عن الوصول إلى الله تعالى.

والفقر ليس مطلوباً لعينه، بل لأن فيه فقد العائق عن الله تعالى، وعدم التشاغل به

وكم من غني شغله غناه عن ربه⁉️

وعن تنفيذ أوامره⁉️

وكم من فقير شغله فقره عن ربه،⁉️

وعن امتثال أوامره ⁉️

وصرفه عن حب الله والأنس به، وإنما الشاغل له حب الدنيا، والدنيا معشوقة الغافلين.

فالمحروم منها مشغول بطلبها

 والقادر عليها مشغول بحفظها وجمعها والتمتع بها، وتنميتها والاستكثار منها.

والفقير عن الخطر أبعد

وفراق المحبوب شديد 

فإذا أحببت الدنيا كرهت لقاء الله تعالى، فيكون قدومك بعد الموت على ما تكرهه، وفراقك لما تحبه.

وكل من فارق محبوباً كان أذاه في فراقه بقدر حبه له وأنسه به، 

فعلى العاقل أن يحب من لا يفارقه وهو الله تعالى 

ويزهد في الدنيا التي إن لم تفارقه هي فارقها هو، فهو دائم الخوف والحسرة عليها.

 *موسوعة فقه القلوب*

جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة*

Sent from my iPhone