لا تحزن
للشيخ / عائض القرني
منْ فوائدِ المصائبِ -
منْ فوائدِ المصائبِ
استخرجُ مكنونِ عبوديةِ الدعاءِ ، قال أحدُهم : سبحان منِ استخرج الدعاء بالبلاءِ . وذكَرُوا في الأثرِ : أنَّ الله ابتلى عبداً صالحاً منْ عبادِهِ ، وقال لملائكتِه : لأسمع صوتهُ . يعني : بالدعاءِ والإلحْاحِ .
ومنها : كَسْرُ جماحِ النفسِ وغيِّها ؛ لأنَّ الله يقول : ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى{6} أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ﴾ .
ومنها : عطفُ الناسِ وحبُّهم ودعاؤُهم للمصابِ ، فإنَّ الناس يتضامنون ويتعاطفون مع منْ أُصيب ومنِ ابتُلي .
ومنها : صرْفُ ما هو أعظمُ منْ تلك المصيبةِ ، فغنها صغيرةٌ بالنسبةِ لأكبر منها ، ثمَّ هي كفَّارةٌ للذنوبِ والخطايا ، وأجرٌ عند اللهِ ومثوبةٌ . فإذا عَلِمَ العبدُ أنَّ هذه ثمارُ المصيبةِ أنس بها وارتاح ، ولم ينزعجْ ويَقْنطْ ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ .
العلم هُدى وشِفاءٌ
ذَكَرَ ابنُ حزمٍ في ( مُداواة النفوس ) أنَّ منْ فوائدِ العلمِ : نَفْيَ الوسواسِ عن النَّفْسِ ، وطرْدَ الهمومِ والغمومِ والأحزانِ .
وهذا كلامٌ صحيحٌ خاصَّةً لمنْ أحبَّ العِلْم وشغف به وزاولهُ ، وعمل به وظهر عليه نفْعُه وأثرُه .
فعلى طالبِ العلمِ أن يوزِّع وقته ، فوقتٌ للحفْظِ والتكرارِ والإعادةِ ، ووقتٌ للمطالعةِ العامَّةِ ، ووقتٌ للاستنباطِ ، ووقتٌ للجَمْعِ والتَّرتيبِ ، ووقتٌ للتأمُّلِ والتدبُّرِ .
فكُنْ رجُلاً رِجْلُه في الثَّرى |
| وهامةُ هِمَّتِهِ في الثُّريَّا |
عسى أن يكون خيراً
للسيوطي كتابٌ بعنوان ( الأرجُ في الفرج ) : ذَكَرَ منْ كلامِ أهلِ العلمِ ما مجموعُه يُفيدُنا أنَّ المحَابَّ كثيرةٌ في المكارهِ ، وأنَّ المصائب تُسفرُ عن عجائب وعن رغائب لا يُدركُها العبدُ ، إلا بعد تكشُّفِها وانجلائِها .
لعَمْرُك ما يدري الفتى كيف يتَّقي |
| نوائب هذا الدَّهرِ أمْ كيف يحْذرُ |
يرى الشيء ممَّا يُتَّقى فيخافُه |
| وما لا يرى مما يقِي اللهُ أَكْبَرُ |
السعادةُ موهبةٌ ربَّانيَّة
ليس عجباً أنْ يكون هناك نفرٌ من الناسِ يجلسون على الأرصفةِ ، وهم عُمَّالٌ لا يجدُ احدُهم إلا ما يكفي يومه وليلته ، ومع ذلك يبتسمون للحياةِ ، صدورُهم منشرِحةٌ وأجسامُهم قويةٌ ، وقلوبُهم مطمئنَّةٌ ، وما ذلك إلا لأنَّهم عَرَفوا أنَّ الحياة إنما هي اليومُ ، ولم يشتغلوا بتذكُّرِ الماضي ولا بالمستقبلِ وإنما أفنوْا أعمارهم في أعمالِهم .
وما أُبالي إذا نفسي تطاوعُني |
| على النَّجاةِ بمنْ قدْ عاش أو هلكا |
وقارِنْ بين هؤلاء وبين أناسٍ يسكنون القصور والدُّور الفاخرة ، ولكنَّهمْ بَقُوا في فراغٍ وهواجس ووساوس ، فشتتهُمُ الهمُّ ، وذهب بهم كلَّ مذهبِ .
لحا اللهُ ذي الدِّنيا مُناخاً لراكِبٍ |
| فكُلُّ بعيدٍ الهمِّ فيها مُعذَّبُ |