اعلم يا طالب_العلم (361)
..
أمور مهمة ينبغي التنبه لها عند إعمال العبد لسانه بذكر الله تعالى.
الحمد لله مُسْتوجِبِ الحمد والعبادة، المتابعِ لأهل طاعته إعانتَه وأمدادَه، والصلاة والسلام على نبيه وحبيبه محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن اتَّبع رشادَه.
أما بعد، أيها الفضلاء - سلمكم الله وسددكم -:
فثمة أمور ثلاثة ينبغي أن تتنبهوا لها، وتعرفوا حكمها، وتعملوا بها عند ذكركم لربكم سبحانه:
1⃣ الأمر الأول:
أن الأصل في ذكر العبد لربه – جل وعلا – أن لا يرفع صوته به.
ويدل على ذلك قول الله تعالى: { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ }.
وصح عن أبي موسى – رضي الله عنه – أنه قال: (( كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ، فَجَعَلْنَا لاَ نَصْعَدُ شَرَفًا، وَلاَ نَعْلُو شَرَفًا، وَلاَ نَهْبِطُ فِي وَادٍ إِلَّا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا بِالتَّكْبِيرِ، قَالَ: فَدَنَا مِنَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا )).
وقال الإمام الطبري – رحمه الله – بعد هذا الحديث:
فى هذا الحديث من الفقه:
كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين .اهـ
وإلى عدم رفع العبد صوته بالذكر ذهب الأئمة الأربعة:
أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
وصح عن قيس بن عباد – رحمه الله – أنه قال: (( كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ الذِّكْرِ )).
ويستثنى من هذا الأصل المواضع التي وردت السُّنَّة بأن يُجهر فيها ببعض الأذكار، فالمستحب حينها أن يَجهر الذاكر، وهي مواضع معدودة ومعروفة.
وقال الإمام الألباني – رحمه الله -:
الأصل في الأذكار خفض الصوت بها، كما هو منصوص عليه في الكتاب والسنة إلا ما استثني .اهـ
2⃣ الأمر الثاني:
قول الأذكار جماعياً بصوت واحد مرتفع، يوافق الناس فيه بعضهم بعضاً، من البدع المحدثة، وجميع البدع محرمة بنص السنة النبوية الصحيحة.
ومن أمثلة ذلك عند الناس اليوم:
أولاً: النطق بالأذكار التي تقال بعد السلام من صلاة الفريضة جماعياً.
وثانياً: أن يجلس الناس في مسجد أو بيت أو زاوية فيذكرون الله ذكراً جماعياً.
وثالثاً: ذكر الله في الطواف حول الكعبة أو السعي بين الصفا والمروة أو صعيد عرفة أو موقف مزدلفة جماعياً.
ورابعاً: تكبير الناس في يومي عيد الفطر وعيد الأضحى وأيام التشريق تكبيراً جماعياً.
خامسا: الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - جماعياً عند ذكره في خطبة الجمعة أو العيد أو الاستسقاء أو في درس أو محاضرة.
ومن بحث عن ذكر الله تعالى جماعياً بصوت متوافق ومرتفع في مثل هذه المواضع والأحوال المذكورة وغيرها فلن يجد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يذكر الله مع أصحابه بهذه الطريقة، ولن يجدها عن الصحابة – رضي الله عنهم – مع بعضهم، ولا عن التابعين وباقي سلف الأمة الصالح، ولا عن الأئمة الأربعة، أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد.
ولن يجد عنهم إلا ذكر كل واحد منهم ربه لوحده، وكذلك لن يجد عنهم الجهر بالذكر برفع الصوت إلا في مواطن يسيرة دلت عليها السنة النبوية الصحيحة.
وسيجد هذا الفعل، وهذه الطريقة عن أقبح الناس عقيدة ومذهباً، وهم الشيعة الرافضة، وغلاة المتصوفة، فهم من بدأها، وجاء بها إلى الناس، ونشرها في بلدانهم ومساجدهم ومجالسهم.
3⃣ الأمر الثالث:
الحرص الشديد على الأذكار الصحيحة الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فتُحفظ، ويُذكر الله تعالى بها، وما قيد منها بزمان أو مكان أو عدد فيقال كما ورد، وما أطلق فيذكر الله به على كل حال، وفي أي وقت، إلا حال قضاء الحاجة من بول وغائط، وحال مواقعة الرجل لامرأته.
فأذكار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألفاظها جامعة، ومعانيها شاملة، وهي معصومة من الخطأ، لأنها جاءت من عند الله تعالى، وسهلة الحفظ والنطق، ومعلوم فضلها في نفسها وعلى غيرها، وأنها أفضل الذكر وأعظمه وأجمله، ومعروف كبير أجرها وثوابها.
وإن مما يُؤسف له أن تجد بعض الناس قد أهملوا حفظ أذكاره - صلى الله عليه وسلم -، وضَعُف ذكرهم لربهم بها، واعتاضوا عنها بأوراد وأذكار كتبها بعض الناس، وأهل هذا الحال قد ينطبق عليهم قول الله تعالى: { أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ }.
حيث استبدلوا الذكر والورد النبوي الذي جاء من عند الله تعالى بأوراد وأحزاب مخلوقين.
بل إن بعضهم يعتاض عن الأذكار والأوراد النبوية بأوراد وأحزاب غلاة المتصوفة، وشيوخ الطرق الصوفية، فلكل واحد منهم أو من أتباعه المشهورين حزب وورد قد كتبه، وهو يَعُجُّ بالألفاظ المحرمة، والأمور المخالفة للعقيدة، والبدع المنكرة.
📝 كتبه:
عبد القادر الجنيد.