مدارج السالكين بين منازل
🍁 إياك نعبد وإياك نستعين 🍁
🔹 للإمام العلامة : إبن القيم الجوزية 🔹
🍂 الدرس الثامن عشر 🍂
🍁💫 فأما المسموع فعلى ثلاثة أضرب:
🍁💫 فصل: السماع الذي يمدحه الله 💫🍁
🖌 فأما النوع الأول فهو السماع الذي مدحه الله في كتابه وأمر به وأثنى على أصحابه وذم المعرضين عنه ولعنهم وجعلهم أضل من الأنعام سبيلا وهم القائلون في النار
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}
👈🏻 وهو سماع آياته المتلوة التي أنزلها على رسوله ، فهذا السماع أساس الإيمان الذي يقوم عليه بناؤه وهو على ثلاثة أنواع :
🔹 سماع إدراك بحاسة الأذن
🔹 وسماع فهم وعقل
🔹 وسماع فهم وإجابة وقبول والثلاثة في القرآن.
🖌✨ فأما سماع الإدراك:
🌟 ففي قوله تعالى حكاية عن مؤمني الجن قولهم: { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}
🌟 وقوله: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ } الآية
👈🏻 فهذا سماع إدراك اتصل به الإيمان والإجابة.
🖌✨وأما سماع الفهم :
فهو المنفي عن أهل الإعراض والغفلة
🌟 بقوله تعالى: {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ }
🌟 وقوله: { إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ}.
🔹 فالتخصيص هاهنا لإسماع الفهم والعقل ، وإلا فالسمع العام الذي قامت به الحجة لا تخصيص فيه
🌟 ومنه قوله تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ}
👈🏻 أي لو علم الله في هؤلاء الكفار قبولا وانقيادا لأفهمهم وإلا فهم قد سمعوا سمع الإدراك {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ}
🍁 أي ولو أفهمهم لما انقادوا ولا انتفعوا بما فهموا; لأن في قلوبهم من داعي التولي والإعراض ما يمنعهم عن الانتفاع بما سمعوه.
🖌✨ وأما سماع القبول والإجابة :
ففي قوله تعالى حكاية عن عباده المؤمنين أنهم قالوا: {سمعنا وأطعنا} 👈🏻 فإن هذا سمع قبول وإجابة مثمر للطاعة.
✨و سماع خاصة الخاصة المقربين هو سماع القرآن بالاعتبارات الثلاثة: إدراكا وفهما وتدبرا وإجابة.
👈🏻 وكل سماع في القرآن مدح الله أصحابه وأثنى عليهم وأمر به أولياءه فهو هذا السماع.
🍁 وهو سماع الآيات لا سماع الأبيات ، وسماع القرآن لا سماع مزامير الشيطان ، وسماع كلام رب الأرض والسماء لا سماع قصائد الشعراء ، وسماع الأنبياء والمرسلين لا سماع المغنين والمطربين.
💫 فهذا السماع حاد يحدو القلوب إلى جوار علام الغيوب، وسائق يسوق الأرواح إلى ديار الأفرح ، ومحرك يثير العزمات إلى أعلى المقامات وأرفع الدرجات ، ومناد ينادي للإيمان وداع يدعو القلوب حي على الفلاح حي على الفلاح.
💫 فلم يعدم من اختار هذا السماع إرشادا .. وتذكرة .. وفكرة في آية .. وإرشادا .. ونهيا عن مضرة .. وهداية إلى نور .. وإخراجا من ظلمة .. وحثا على تقى .. وجلاء لبصيرة .. وحياة لقلب !.
🍁 ونحن نرضى بحكم أهل الذوق في سماع الأبيات والقصائد ونناشدهم بالذي أنزل القرآن هل وجدوا ذلك- أو شيئا منه- في الدف والمزمار؟ ونغمة الشادن ومطربات الألحان؟. والغناء المشتمل على تهييج الحب ؟
👈🏻 فهو يثير من قلب كل مشتاق ومحب لشيء ساكنه .. فيثور وجده ويبدو شوقه فيتحرك على حسب ما في قلبه من الحب والشوق والوجد بذلك المحبوب كائنا ما كان ولهذا تجد لهؤلاء كلهم ذوقا في السماع وحالا ووجدا وبكاء.
🍂 ويا لله العجب!
👈🏻 أي إيمان ونور وبصيرة وهدى تحصل باستماع أبيات بألحان .. لعل أكثرها قيلت فيما هو محرم يبغضه الله ورسوله ويعاقب عليه من غزل بمن لا يحل له من ذكر أو أنثى؟
🍂 فإن غالب التغزل والتشبيب إنما هو في الصور المحرمة ومن أندر النادر تغزل الشاعر في امرأته وأمته وأم ولده ، مع أن هذا واقع لكنه كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود (قليل)
🍂 فكيف يقع لمن له أدنى بصيرة وحياة قلب أن يتقرب إلى الله ويزداد إيمانا وقربا منه وكرامة عليه بالتذاذه بما هو بغيض إليه مقيت عنده يمقت قائله والراضي به؟
🍂 وتترقى به الحال حتى يزعم أن ذلك أنفع لقلبه من سماع القرآن والعلم النافع وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟!.
🍂 يا لله! إن هذا القلب مخسوف به ممكور به منكوس لم يصلح لحقائق القرآن وأذواق معانيه ومطالعة أسراره ، فبلاه بقرآن الشيطان ...
🍁💫 فصل:ما يبغضه الله ويكرهه من السماع 💫🍁
🖌✨ القسم الثاني من السماع: ما يبغضه الله ويكرهه ، ويمدح المُعرض عنه ، وهو سماع كل ما يضر العبد في قلبه ودينه ، كسماع الباطل كله إلا إذا تضمن رده وإبطاله والاعتبار به وقصد أن يعلم به ضده فإن الضد يظهر حسنه الضد ..
✨ وكسماع اللغو الذي مدح التاركين لسماعه والمعرضين عنه
🌟 بقوله: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ }
🌟 وقوله: { وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}
👈🏻 قال محمد ابن الحنفية: هو الغناء وقال الحسن أو غيره: أكرموا نفوسهم عن سماعه.
💬 قال ابن مسعود : الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل
💫 وهذا كلام عارف بأثر الغناء وثمرته فإنه ما اعتاده أحد إلا نافق قلبه وهو لا يشعر ، ولو عرف حقيقة النفاق لأبصره في قلبه فإنه ما اجتمع في قلب عبد قط محبة الغناء ومحبة القرآن إلا طردت إحداهما الأخرى وقد
🍁 شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء وسماعه وتبرمهم به ، وصياحهم بالقارئ إذا طول عليهم وعدم انتفاع قلوبهم بما يقرؤه
🍂 فلا تتحرك ولا تطرب ولا تهيج منها بواعث الطلب فإذا جاء قرآن الشيطان فلا إله إلا الله كيف تخشع منهم الأصوات وتهدأ الحركات وتسكن القلوب وتطمئن ويقع البكاء والوجد .. وطيب السهر وتمني طول الليل فإن لم يكن هذا نفاقا فهو آخية النفاق وأساسه.
🍁 وكيف يكون السماع الذي يسمعه العبد بطبعه وهواه أنفع له من الذي يسمعه بالله ولله وعن الله؟ .... فإنه إنما يسمع بالله ولله وعن الله ما يحبه الله ويرضاه ..
🖌 ومن أعجب العجائب استدلال من استدل على أن هذا السماع أنه مباح بكونه .. تستلذه النفوس وتستروح إليه وأن الطفل يسكن إلى الصوت الطيب .. وبأن الصوت الطيب نعمة من الله على صاحبه وزيادة في خلقه وبأن الله ذم الصوت الفظيع فقال: {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} وبأن الله وصف نعيم أهل الجنة فقال فيه {فهم في روضة يحبرون} وبأن ذلك هو السماع الطيب فكيف يكون حراما وهو في الجنة؟
🖌 وبأن الله تعالى ما أذن لشيء كأذنه- أي كاستماعه- لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن وبأن أبا موسى الأشعري استمع النبي صلى الله عليه وسلم إلى صوته وأثنى عليه بحسن الصوت
🌟 وقال «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود» فقال له أبو موسى: لو علمت أنك استمعت لحبرته لك تحبيرا أي زينته لك وحسنته وبقوله صلى الله عليه وسلم «زينوا القرآن بأصواتكم».
🌟 وبقوله صلى الله عليه وسلم «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» 👈🏻 والصحيح أنه من التغني بمعنى تحسين الصوت وبذلك فسره الإمام أحمد رحمه الله فقال: يحسنه بصوته ما استطاع.
🌟 وبأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة على غناء القينتين يوم العيد وقال لأبي بكر «دعهما فإن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا أهل الإسلام».
🌟 وبأنه صلى الله عليه وسلم أذن في العرس في الغناء وسماه لهوا وقد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحداء وأذن فيه وكان يسمع أنسا والصحابة وهم يرتجزون بين يديه في حفر الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا ** على الجهاد ما بقينا أبدا
........
💫 وبأن الإجماع منعقد على إباحة أصوات الطيور المطربة الشجية فلذة سماع صوت الآدمي أولى بالإباحة أو مساوية.
💫 وبأن التذاذ الأذن بالصوت الطيب كالتذاذ العين بالمنظر الحسن والشم بالروائح الطيبة والفم بالطعوم الطيبة فإن كان هذا حراما كانت جميع هذه اللذات والإدراكات محرمة.
🔹🔹 فالجواب :
أن هذه حيدة (بُعد) عن المقصود وروغان عن محل النزاع وتعلق بما لا متعلق به فإن جهة كون الشيء مستلذا للحاسة ملائما لها لا يدل على إباحته ولا تحريمه ولا كراهته ولا استحبابه فإن هذه اللذة تكون فيما فيه الأحكام الخمسة تكون في الحرام والواجب والمكروه والمستحب والمباح فكيف يستدل بها على الإباحة .. ؟.
👈🏻 وهل هذا إلا بمنزلة من استدل على إباحة الزنا بما يجده فاعله من اللذة وأن لذته لا ينكرها من له طبع سليم
👈🏻 وهل خلت غالب المحرمات من اللذات؟
👈🏻 وأعجب من هذا: الاستدلال على الإباحة بسماع أهل الجنة وما أجدر صاحبه أن يستدل على إباحة الخمر بأن في الجنة خمرا وعلى حل لباس الحرير بأن لباس أهلها حرير وعلى حل أواني الذهب والفضة والتحلي بهما للرجال بكون ذلك ثابتا بوجود النعيم به في الجنة.
✨🔹 وقد رد الإمام على كل شبهة وردت في هذا الباب ونظرا لطولها قمنا باختيار بعضها ، فمن أراد الإستزادة فعليه الرجوع إلى هذا الفصل ..
🖌🌟 وصلى اللهم وبارك على النبي محمد وعلى آله وصحبه وسلم 🖌🌟
🍁 جزى الله كل من ساهم في نشر هذا العلم و عَمِلَ به كل خير 🍁