الأربعاء، 3 فبراير 2016

(¯`*•أهـل الشام•*´¯) لا تحزن - ( وقفـــةٌ - اعتنِ بالظاهرِ والباطنِ )





لا تحزن

 للشيخ /  عائض القرني

   

وقفـــةٌ - اعتنِ بالظاهرِ والباطنِ


 وقفـــةٌ

 

« أما دعوةُ ذي النونِ ، فإنَّ فيها منْ كمالِ التوحيدِ والتنزيهِ للربِّ تعالى ، واعترافِ العبدِ بظلمهِ وذنبه ، ما هو منْ أبلغ أدويةِ الكربِ والهمِّ والغمِّ ، وأبلغ الوسائلِ إلى اللهِ سبحانه في قضاءِ الحوائجِ فإنَّ التوحيد والتنزيهَ وتضمَّنانِ إثبات كلِّ كمالٍ للهِ ، وسلب كلِّ نقصٍ وعيبٍ وتمثيلٍ عنه . والاعترافُ بالظلمِ يتضمَّنُ إيمان العبدِ بالشرعِ والثوابِ والعقابِ ، ويُوجبُ انكساره ورجوعهُ إلى اللهِ ، واستقالته عثرته ، والاعتراف بعبوديتهِ وافتقارِه إلى ربِّه فهاهنا أربعة أمورٍ قدْ وقع التوسُّلُ بها : التوحيدُ ، والتنزيهُ ، والعبوديةُ ، والاعترافُ » .

﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ .

 

اعتنِ بالظاهرِ والباطنِ

 

 

صفاءُ النفسِ بصفاءِ الثوبِ ، وهنا أمرٌ لطيفٌ وشيءٌ شريف ، وهو أنَّ بعض الحكماءِ يقولُ : منِ اتسخ ثوبُه ، تكدَّرتْ نفسُه . وهذا أمرٌ ظاهرٌ .

وكثيرٌ من الناسِ يأتيهِ الكَدَرُ بسببِ اتساخ ثوْبِهِ ، أو تغيُّرِ هِندامِهِ ، أو عدمِ ترتيبِ مكتبتِهِ ، أو اختلاطِ الأوراقِ عنده ، أو اضطرابِ مواعيدِه وبرنامِجِه اليوميِّ ، والكونُ بُني على النظامِ ، فمنْ عَرَفَ حقيقة هذا الدِّينِ ، علم أنه جاء لتنظيمِ حياةِ العبدِ ، قليلِها وكثيرِها ، صغيرِها وجليلِها ، وكلُّ شيءٍ عنده بحُسْبانٍ ﴿  مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ . وفي حديثٍ عند الترمذيِّ : (( إنَّ الله نظيفٌ يحبُّ النظافة )) .

وعند مسلمٍ في الصحيحِ : (( إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال )) .

وفي حديثٍ حسنٍ : (( تجمَّلُوا حتى تكونوا كأنكمْ شامةٌ في عيونِ الناسِ )) .

يمشون في الحُللِ المضاعفِ نسْجُها

 

مشي الجمالِ إلى الجِمالِ البُزَّلِ

زأولُ الجمالِ : الاهتمامُ بالغسلِ . وعند البخاري : (( حقٌّ على المسلمِ أنْ يغتسل في كلِّ سبعةِ أيامٍ يوماً ، يغسلُ فيه رأسه وجسمهُ )) .

هذا على أقلِّ تقديرٍ . وكان بعضُ الصالحين يغتسلُ كلَّ يومٍ مرةً كعثمان بنِ عفان فيما ورد عنهُ ، ﴿ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ .

ومنها خصالُ الفطرةِ : كإعفاءِ اللحيِة وقصِّ الشاربِ ، وتقليمِ الأظافرِ ، وأخذِ الشعرِ الزائدِ من الجسمِ ، والسواكِ ، والطِّيبِ ، وتخليلِ الأسنانِ ، وتنظيفِ الملابسِ ، والاعتناءِ بالمظهرِ ، فإنَّ هذا مما يوسِّعُ الصدر ويفسحُ الخاطر . ومنها لُبسُ البياضِ ، (( البسوا البياض ، وكفِّنوا فيه موتاكمْ )) .

رقاقُ النعالِ طيّباً حُجُزاتُهم

 

يُحيّون بالرَّيْحانِ يوم السباسِبِ

  وقد عقد البخاريُّ باب : لبسِ البياضِ : (( إنَّ الملائكة تنزلُ بثيابٍ بيضٍ عليهمْ عمائمُ بِيضٌ )) .

ومنها ترتيبُ المواعيدِ في دفترٍ صغيرٍ ، وتنظيمُ الوقتِ ، فوقتٌ للقراءةِ ، ووقتٌ للعبادةِ ، ووقتٌ للمطالعةِ ، ووقتٌ للراحة ، ﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ، ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ   .

في مكتبةِ الكونجرسِ لوحةٌ مكتوبٌ عليها : الكونُ بُني على النظامِ . وهذا صحيحٌ ، ففي الشرائعِ السماويةِ الدعوةُ إلى التنظيمِ والتنسيقِ والترتيبِ ، وأخبر – سبحانه وتعالى – أنَّ الكون ليس لهْواً ولا عبثاً ، وأنه بقضاءٍ وقدرٍ ، وأنه بترتيب وبحُسبانٍ : ﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾ . ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ   . ﴿ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ . ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً .﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً ﴾ . ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ{16} لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ .

﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ :

كان حكماءُ اليونانِ إذا أرادُوا معالجة المصابِ بالأوهامِ والقلق والأمراضِ النفسيةِ : يجبرونهُ على العملِ في الفلاحة والبساتين ، فما يمرُّ وقتٌ قصير إلا وقد عادت إليه عافيته وطمأنينته ، ﴿  فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا ، ﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ .

إنَّ أهل الأعمالِ اليدويِة همْ أكثُر الناسِ راحةً وسعادةً وبسْطة بالٍ، وانظرْ إلى هؤلاءِ العمَّالِ كيف يملكون منْ البالِ وقوةِ الأجسامِ ، بسببِ حركتِهمْ ونشاطِهمْ ومزاولاتِهمْ ، ((وأعوذُ بك من العجْزِ والكسلِ )) .