الكلام على التسليم
و لما كان العبد بين أمرين من ربه عز و جل : أحدهما : حكم الرب عليه في أحواله كلها ظاهرا و باطنا ، و اقتضاؤه من القيام بعبودية حكمه ،
فإن لكلّ حكم عبودية تخصه ، أعني الحكم الكوني القدري. و الثاني : فعل ، يفعله العبد عبودية لربه ، و هو موجب حكمه الديني الأمري. و كلا
الأمرين يوجبان بتسليم النفس إلى الله سبحانه ، و لهذا اشتق له اسم الإسلام من التسليم ، فإنه لما سلّم لحكم ربه الديني الأمري ، و لحكمه
الكوني القدري ، بقيامه بعبودية ربه فيه لا باسترساله معه في الهوى ، و الشهوات ، و المعاصي ، و يقول : قدَّر عليّ استحق اسم الإسلام فقيل
له : مسلم .
القلوب ثلاثة
و القلوب ثلاثة : صحيح سليم فشرابه الشراب الطهور في الإناء النظيف ، و سقيم مريض فشرابه الشراب النجس في الإناء القذر ، و قلب فيه
مادتان. إيمان و نفاق ، فشرابه في إناء بحسب المادتين ، و قد جعل الله لكل شيء قدراً ، فالعارف مَن نظر في الأسباب إلى غاياتها و نتائجها ،
و تأمل مقاصدها ، و ما تؤول إليه. و مَن عرف مقاصد الشرع في سدِّ الذرائع المفضية إلى الحرام ، قطع بتحريم هذا السَّماع ، فإنَّ المرأة
الأجنبية و سماع صوتها حرام ، و كذلك الخلوة بها .
من كتاب أسرار الصَّلاة للإمَام العلامَة ابن قيِّم الجَوزيَّة