لا تحزن
للشيخ /عائض القرني
الرضا بما حصل يُذهبُ الحُزْن - إنْ فقدت جارحةً من جوارحك فقدْ بقيتْ لك جوارحُ
الرضا بما حصل يُذهبُ الحُزْن
وفي الحديث : (( ولا نقولُ إلا ما يُرضي ربَّنا )) .
إنَّ عليك واجباً مقدَّساً ، وهو الانقيادُ والتسليمُ إذا داهمك المقدورُ، لتكون النتيجةُ في صالحِك ، والعاقبةُ لك ؛ لأنك بهذا تنجو من كارثةِ الإحباطِ العاجلِ والإفلاسِ الآجلِ .
قال الشاعرُ :
ولما رأيتُ الشِّيْب لاح بعارضي |
| ومَفْرِقِ رأسي قلتُ للشَّيب مرحبا |
ولو خِفْتُ أني إنْ كَفَفْتُ تحيتي |
| تنكَّب عني رُمْتُ أنْ يتنكبا |
ولكن إذا ما حلَّ كُرْهٌ فسامحتْ |
| به النفسُ يوماً كان للكُرْهِ أذهبا |
لا مفرَّ إلا أن تؤمن بالقدرِ ، فإنهُ سوف ينفُذُ ، ولو انسلخت من جلدِك وخرجت من ثيابِك !!
نُقِلَ عن إيمرسون في كتابه « القدرةُ على الإنجازِ » حيث تساءل : « منْ أين أَتَتْنا الفكرةُ القائلةُ : إن الحياة الرغدة المستقرةَ الهادئة الخالية من الصعابِ والعقباتِ تخلقُ سعداء الرجالِ أو عظماءهم ؟ إنَّ الأمر على العكسِ ، فالذين اعتادوا الرثاء لأنفسهِمْ سيواصلون الرثاءَ لأنفسهم ولو ناموا على الحريرِ ، وتقلَّبُوا في الدِّمقسِ . والتاريخُ يشهدُ بأنَّ العظمة والسعادة الخبيثُ ، وبيئاتٌ لا يتميزُ فيها بين طيبٍ وخبيثٍ ، في هذه البيئاتِ نَبَتَ رجالٌ حملوا المسؤولياتِ على أكتافِهم ، ولم يطرحوها وراء ظهورِهم » .
إنَّ الذين رفعوا علم الهدايةِ الربانيَّةِ في الأيامِ الأولى للدعوةِ المحمدية هم الموالي والفقراءُ والبؤساءُ ، وإنَّ جُلَّ الذين صادمُوا الزحف الإيمانيَّ المقدَّس همْ أولئك المرموقون والوجهاءِ والمترفون : ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ﴾ . ﴿ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ . ﴿أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ﴾ . ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ . ﴿ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ . ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ{31} أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ ﴾ .
وإني لأذكرُ بيتاً لعنترة ، وهو يخبرُنا أنَّ قيمته في سجاياه ومآثِرِهِ ونُبْلِهِ لا في أصلِهِ وعنصرِهِ ، يقولُ :
إن كنتُ فإني سيدٌ كَرَماً |
| أوْ أسود اللونِ إني أبيضُ الخُلُقِ |
إنْ فقدت جارحةً من جوارحك فقدْ بقيتْ لك جوارحُ
يقولُ ابنُ عباس :
إنْ يأخذِ اللهُ من عينيَّ نورهما |
| ففي لساني وسمعي منهما نورُ |
قلبي ذكيٌّ وعقلي غيرُ ذي عِوجٍ |
| وفي فمي صارمٌ كالسيفِ مأثورُ |
ولعلَّ الخير فيما حَصَلَ لك من المصابِ ، ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
يقولُ بشَّارُ بنُ بُرْدٍ :
وعيَّرني الأعداءُ والعيبُ فيهمو |
| فليس بعارٍ أن يُقال ضريرُ |
إذا أبصر المرءُ المروءة والتُّقى |
| فإنَّ عمى العينينِ ليس يضيرُ |
رأيتُ العمى أجراً وذُخراً وعِصْمةً |
| وإني إلى تلك الثلاثِ فقيرُ |
انظرْ إلى الفرقِ بين كلامِ ابنِ عباسٍ وبشَّارِ ، وبين ما قاله صالحُ بن عبدالقدوسِ لمَّا عَمي :
على الدنيا السلامُ فما لشيخٍ |
| ضريرِ العينِ في الدنيا نصيبُ |
يموتُ المرءُ وهو يُعَدُّ حيّاً |
| ويُخلِفُ ظنَّهُ الأملُ الكذوبُ |
يُمنِّيني الطبيبُ شفاء عيني |
| فإنَّ البعض مِن بعضٍ قريبُ |
إن القضاء سوف ينفذُ لا محالة ، على القابِل لهُ والرافضِ لهُ ، لكنَّ ذاك يُؤجَرُ ويسْعَدُ ، وهذا يأثمُ ويشقى .
كتب عمرُ بن عبدالعزيزِ إلى ميمون بن مهران : كتبت تعزّيني على عبدالملكِ ، وهذا أمرٌ لم أزل أنتظرهُ ، فلمّا وقع لم أُنكِرْهُ .