لا تحزن
للشيخ /عائض القرني
أحسن إلى الناس
فإنَّ الإحسانَ على الناسِ طريقٌ واسعةٌ من طرقِ السعادةِ . وفي حديثٍ صحيح : (( إنَّ الله يقولُ لعبدهِ وهو يحاسبُهُ يوم القيامةِ : يا ابنَّ آدم ، جعتُ ولم تطعمْني . قال : كيف أطعمُك وأنت ربُّ العالمين ؟! قال : أما علمت أنَّ عبدي فلان ابن فلانٍ جاع فما أطعمْتهُ ، أما إنكَ لو أطعمْتَهُ وجدتَ ذلك عندي . يا ابن آدم ، ظمئتُ فلمْ تسقني . قال : كيف أسقيك وأنت ربُّ العالمينَ! قال : أما علمت أنَّ عبدي فلان ابن فلانٍ ظمِئَ فما أسقيته ، أما إنَّك لوْ أسقيته وجدْت ذلك عندي . يا ابن آدم ، مرضْتُ فلم تعُدني . قال : كيف أعودُك وأنت ربُّ العالمين ؟! قال : أما علمْت أنَّ عبدي فلان ابن فلانٍ مرض فما عدْتَهُ ، أما إنك لوْ عدتهْ وجدتني عندهُ ؟! )) .
هنا لفتةٌ وهي وجدتني عندهُ ، ولم يقلْ كالسابقتين : وجدته عندي ؛ لأنَّ الله عند المنكسِرة قلوبُهم ، كالمريض . وفي الحديثِ : (( في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ )) . واعلمْ أنَّ أدخل امرأةً بغِيّاً منْ بني إسرائيل الجنة ، لأنها سقتْ كلباً على ظمأ . فكيف بمنْ أطعمَ وسقى ، ورفع الضائقة وكشف الكُرْبَةَ ؟!
وقدْ صحَّ عنهُ r أنهُ قال : (( مَنْ كان لهُ فضلُ زادٍ فليَعُد بهِ على مَنْ لا زاد لهُ ، ومنْ كان له فضلُ ظهْرٍ فليعدْ بهِ على منْ لا ظهر لهُ )) . أي ليس لهُ مركوبٌ .
وقدْ قال حاتمٌ في أبياتٍ لهُ جميلةٍ ، وهو يُوصِي خادمهُ أنْ يلتمس ضيفاً يقولُ
أوقدْ فإنَّ الليل ليلٌ قرُّ |
| إذا أتى ضيفٌ فأنت حُرُّ |
ويقول لامرأته :
إذا ما صنعتِ الزاد فالتمسي لهُ |
| أكيلاً فإني لستُ آكلُهُ وحدي |
وقال أيضاً :
أماويَّ إنَّ المال غادٍ ورائحٌ |
| ويبقى من المالِ الأحاديثُ والذِّكْرُ |
أماويَّ ما يُغني الثراءُ عنِ الفتى |
| إذا حشرجتْ يوماً وضاق بها الصدرُ |
ويقول :
فما زادنا فخراً على ذي قرابةٍ |
| غِنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقْرُ |
وقال عروةُ بنُ حزامٍ
أتهزأُ مني أن سمنِت وأن ترى |
| بوجهي شحوب الحقِّ والحقُّ جاهدُ |
أوزِّعُ جسمي في جسومٍ كثيرةٍ |
| وأحسو قراح الماءِ والماءُ باردُ |
وكان ابنُ المباركِ لهُ جارٌ يهوديٌ ، فكان يبدأ فيُطعم اليهوديَّ قبل أبنائهِ ، ويكسوه قبل أبنائِه ، فقالوا لليهوديِّ : بعنا دارك . قال : داري بألفيْ دينارٍ ، ألفٌ قيمتُها ، وألفٌ جوارُ ابن المباركِ ! . فسمع ابن المباركِ بذلك ، فقال : اللهمَّ اهدِهِ إلى الإسلامِ . فأسلم بإذنِ اللهِ !.
ومرَّ ابنُ المبارك حاجّاً بقافلةٍ ، فرأى امرأةً أخذتْ غُراباً مْيتاً من مزبلةٍ ، فأرسلَ في أثرِها غلامه فسألها ، فقالتْ : ما لنا منذُ ثلاثةِ أيامٍ إلا ما يُلقى بها . فدمعتْ عيناهُ ، وأمر بتوزيعِ القافلةِ في القريةِ ، وعاد وترك حجّته تلك السنةِ ، فرأى في منامِهِ قائلاً يقولُ : حجٌّ مبرورٌ ، وسعيٌ مشكورٌ ، وذنبٌ مغفورٌ .
ويقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ : ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ . وقالَ أحدُهُمْ :
إني وأنْ كنتُ امرأً متباعداً |
| عن صاحبي في أرضهِ وسمائِهِ |
لمفيدهُ نصري وكاشفُ كَرْبهِ |
| ومجيبُ دعوتِه وصوتُ ندائِه |
وإذا ارتدى ثوباً جميلاً لمْ أقلْ |
| يا ليت أنَّ علىَّ فضلَ كسائِهِ |
يا للهِ ما أجملَ الخلُقَ ! وما أجلَّ المواهبَ ! وما أحسن السجايا !
لا يندمُ على فعْلِ الجميلِ احدٌ ولو أسرف ، وإنما الندمُ على فعلِ الخطأ وإنْ قلَّ .
وقال أحدُهُمْ في هذا المعنى :
الخيرُ أبقى وإنْ طال الزمانُ بهِ |
| والشرُّ أخبثُ ما أوْعَيْتَ مِنْ زَادِ |