الاثنين، 20 يوليو 2015

(¯`*•أهـل الشام•*´¯) " رمي من أعلى القلعة أولا وثانيًا فنجا سالمًا " قصة و عبرة







" رمي من أعلى القلعة أولا وثانيًا فنجا سالمًا "



حكى الشريف أبو الحسن محمد بن عمر العلوي قال : لما كنت محبوسًا بقلعة خست بنواحي نيسابور من فارس حين حبسني عضد الدولة بها، كان صاحب القلعة الذي أسلمت إليه يؤنسني بالحديث، فحدثني يومًا أن هذه القلعة كانت في يد رجل كان راعيًا بهذه البلاد ثم صار قائدًا واحتوى عليها، فصارت معقلا، وانضم إليه اللصوص، فصار يُغير بهم على النواحي فيخرجون ويقطعون الطريق وينهبون القرى ويفسدون ويعودون إلى القلعة، فلا تمكن فيهم حيلة، إلى أن قصدهم أبو الفضل أبو العميد، وحاصرهم مدة وافتتحها وسلمها إلى عضد الدولة، قال : فكان في محاصرة أبي الفضل لهم ربما نزلوا وحاربوه، فظفر منهم في وقعة كانت بينه وبينهم بنحو خمسين رجلا، فأراد قتلهم قتلة يرهب بها من في القلعة .

قال : وهي على جبل عظيم، حياله بالقرب من جبل آخر وعليه نزل أبو الفضل، فأمر بالأسارى فرمي بهم من رأس الجبل الذي عليه القلعة فيصل الواحد منهم إلى الأرض قطعًا قد قطعته الأضراس الخارجة في الجبل والحجارة، ففعل ذلك بجميعهم حتى بقي غلام بدأ ينبت شعر وجهه، فلما طرح وصل إلى الأرض سالمًا، فلما لحقه مكروه، وقد تقطع حبل كتافه، فقام الغلام يمشي في قيده طالبًا الخلاص، فكبر الديلم وأهل عسكر أبي الفضل استعظاماً للصورة وكيف نجا، وكَبَّرَ أهل القلعة، فاغتاظ أبو الفضل وأمر برد الغلام، فنزل من جاء به فأمر أن يكتف ويرمي ثانية، فسأله من حضر أن يعفو عن الغلام فلم يفعل، وألحوا عليه فحلف أنه لا بد أن يطرحه ثانية، فأمسكوا عن الكلام، وطرح الغلام، فلما بلغ الأرض قام يمشي سالمًا وارتفع من التكبير والتهليل أضعاف ما ارتفع أولا، فقال الحاضرون هل بعد هذا شيء ؟ وسألوه العفو عنه وبكى بعضهم، فاستحى أبو الفضل وعجب، وقال : ردوه آمنًا فردوه، فأمر بقيوده ففكت وبثياب فطرحت عليه، وقال له : اصدقني عن سريرتك مع الله عز وجل التي نجاك بها هذه النجاة . فقال : ما أعلم لي حالا توجب هذا إلا أني كنت غلامًا أمردًا مع أستاذي فلان الذي هو أحد من قتل الساعة، وكان يخرجني معه فنقطع الطريق ونخيف السبيل ونقتل الأنفس وننهب الأموال، ونهتك الحرم ونفجر بهن، ونأخذ كل ما نجد.. وإذا لم أفعل ما يأمرني به فإنه يؤذيني ويقتلني فقال له أبو الفضل : هل كنت تصوم وتصلي ؟ قال : ما كنت أعرف الصلاة، ولا صمت قط ولا فينا مَن يصوم .

فقال له : ويلك، فما هذا الأمر الذي نجَّاك الله به ؟! فهل كنت تتصدق ؟ قال : ومن كان يجيئنا حتى نتصدق عليه ؟ قال : فَفَكِّرْ، واذْكُرْ شيئًا إن كنتَ فَعَلْتَهُ لله وإن قل.. ففكر الغلام ساعة ثم قال : نعم، سَلَّمَ إليَّ أستاذي منذ سنين رجلاً كان أَسَرَه في بعض الطرقات بعد أن أخذ جميع ما معه وصعد به إلى القلعة، وقال له : اشتر نفسك بمال تستدعيه من بلادك وأهلك وإلا قتلتك فقال الرجل : ما أملك من الدنيا كلها غير ما أخذته مني فعذَّبَه أيَّامًا وهو لا يذعن بشيء، ثم جد به يومًا في العذاب جدًا شديدًا فحلف الرجل بالله تعالى وبالطلاق وبأيمان غليظة أنه لا يملك من الدنيا إلا ما أخذه منه، وأنه ليس له في بلده إلا نفقة جعلها لعياله قَدْرُها نفقة شهر، إلى أن يعود إليهم، وأن الصدقة الآن تحل له ولهم .

واستسلم الرجل للموت، فلما وقع في نفس أستاذي أنه صادق قال : انزل به، وامض إلى الموقع الفلاني فاذْبَحْه، وجئني برأسه فأخذت الرجل وحدرته من القلعة، فلما رآني أَجُرُّه قال لي : إلى أين تمضي بي ؟ وأيُّ شيء تريد مني ؟ فعرفه ما أمرني به أستاذي، فجعل يبكي بكاء شديدًا ويلطم ويتضرع ويسألني أن لا أفعل، ويناشدني الله عز وجل، وذكر لي أن له بناتاً أطفالاً لا كادَّ لهم وكاسب سواه، وخَوَّفَني بالله عز وجل وما جعل من الجزاء لمن فَرَّجَ عن مسلم كربة من كرب الدنيا، وسألني أن أُطْلِقَه، فأوقع الله تعالى رحمة له في قلبي، فقلت له : إن لم أرجع إليه برأسك قتلني، ولحقك فقتلك فقال : يا هذا أطلقني أنت، ولا تعد إلى صاحبك إلا بعد ساعة وأعدو أنا فلا يلحقني وإن لحقني كنت أنت قد برأت من دمي وصاحبك لا يقتلك مع محبته لك فتكون قد أجرت فيَّ.. والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. فازدادت رحمتي له، فقلت له خذ حجرًا فاضرب به رأسي، حتى يسيل دمي، وأجلس ههنا حتى أعلم أنك قد صرت على فراسخ ثم أعود أنا إلى القلعة فقال : لا أستحسن أن أكافئك على خلاصي بأن أشجعك، فقلت : لا طريق إلى خلاصك وخلاص نفسي إلا هكذا .

ففعل وتركني وطار عدواً، وجلستُ في موضعي حتى وقع لي أنه صار على فراسخ كثيرة، وجئت إلى أستاذي غريقًا بدمائي فقال : ما بالك، وأين الرأس ؟ فقلت : سلمت إليَّ شيطانًا، لا رجلا، ما هو إلا أن حصل معي في الصحراء حتى صارعني، فطرحني إلى الأرض وشدخني بالحجارة كما ترى، وطار يعدو فغشي علي، فمكثت في موضعي إلى الآن، فلما رقأ دمي ( جف وانقطع) ورَجَعَتْ قوتي جئتك. فأنزل خلقًا وراءه، فعادوا من غد، وفتشوا فما وقفوا له على أثر .

فإن يكن الله تعالى قد خَلَّصَني لشيء فعلتُه فلهذا..

قال : فجعله أبو الفضل في مرافقيه المقربين منه واصطنعه لنفسه .


من كتاب من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه - للكاتب إبراهيم بن عبدالله الحازمي