#اعمال القلوب .. للشيخ خالد السبت يحفظه الله
●وأما السمع فإن الإنسان يسمع ما أمامه وما فوقه وما تحته كما يسمع عن يمينه وشماله وخلفه ولا يحتاج مع ذلك إلى التفات.
■وبعد أن انتهى من البصر- بدأ يوازن بين القلب واﻷذن يقول: 'القلب يعقل الأشياء بنفسه إذا كان العلم هو غذاؤه وخاصيته، وأما الأذن فإنها تحمل الكلام المشتمل على العلم إلى القلب فهي بنفسها إنما تحمل القول والكلام، يقصد أن الأذن مجرد بريد، وأين يحصل تحليل هذا الكلام ؟ وأين يحصل تعقل هذا المسموع ؟ يحصل ذلك في القلب، وأما الأذن فهي وسيلة إلى نقله فحسب، هي واسطة بين مصدر الصوت وبين القلب، فتنقل هذا الصوت إلى القلب، فيحصل تحليله، والنظر فيه لذلك المحل العجيب.
■ يقول شيخ الإسلام: 'فصاحب العلم في حقيقة الأمر هو القلب وإنما سائر الأعضاء حجبة له ترسل إليه الأخبار فمدار الأمر على القلب، وعند هذا تستبين الحكمة في قوله تعالى:{ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا...}[46] [سورة الحج] .
■ولم يذكر هنا العين فإن سياق الكلام هنا في أمور غائبة في الأمم المعذبة، وهي حكمة معقولة من عواقب الأمور لا مجال لنظر العين فيها، ويقول: مثله قوله تعالى:{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ} ...[44] [سورة الفرقان].
○يقول: وتتبين حقيقة الأمر في قوله:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد}ٌ[37] [سورة ق][الفتاوى 9 / 310]
● وبهذا نعلم أن القلب هو الأشرف بإطلاق؛ لأن العين، أو البصر والسمع ميزابان يصبان في العقل، وهما وسيلتان لنقل العلوم والمعارف، والمشاهدات والمسموعات إلى هذا القلب، ثم تستقر فيه، ويحصل بعد ذلك من آثار هذه الأمور المسموعة، أو المبصرة ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فقد يبصر الإنسان مشهداً يكون له عبرة يعتبر بها، فيكون ذلك سبباً لإنابته وتوبته، وقد يبصر الإنسان منظراً ومشهداً في شاشة، أو في سوق، أو في مكان آخر يفسد عليه قلبه، فتعرض عليه هذه الصورة دائماً تتراءى كأنه ينظر إليها، فتفسد عليه القلب فيظل مشغولاً مشوشاً بهذا المنظر، ويجد من ألم ذلك ومغبته ما لا يقدر قدره إلا الله تبارك وتعالى.
2- ومما يصلح القلب:
●كثرة ذكر الموت وزيارة القبور ورؤية المحتضرين: فإنها اللحظات التي يخرج الإنسان فيها من الدنيا ويفارق سائر الشهوات واللذات، ويفارق الأهل والمال الذي أتعب نفسه في جمعه في لحظة ينكسر فيها الجبارون، ويخضع فيها الكبراء، ولا يحصل فيها للعبد تعلق بالدنيا ولهذا يكثر من الناس التصدق في تلك الأحوال فلربما كتب الواحد منهم في حال صحته وعافيته وصية يوصي بها أن إذا مات وانقطعت علائقه من الدنيا أن يخرج من ماله كذا وكذا.
■فذكر الموت يحيي القلب، ويلين ما فيه من القسوة، فاجعل لنفسك وقتاً تتفكر فيه بهذا المعنى وتزور فيه المقابر وتتبع الجنائز، سعيد بن جبير رحمه الله - وهو من عبّاد التابعين وعلمائهم- كان يقول:"لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي" [نزهة الفضلاء506 ]
□ معنى ذلك أن الموت ملازم لقلبه يذكره في كل أحواله، وكان صفوان بن سليم يأتي البقيع، فيمر بمحمد بن صالح التمار، فتبعه في ذات يوم، فقال محمد: فقلت في نفسي سأنظر ما يصنع، فجاء صفوان على قبر من القبور في البقيع، فلم يزل يبكي حتى رحمته من كثرة البكاء، وظننت أنه قبر بعض أهله، فهو يأتي لزيارته، ويتذكر هذا القريب الحبيب فيبكي ويرق لذلك، يقول:ومر به مرة أخرى فتتبعته ففعل مثل ذلك فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر فقال:"كلهم أهله وإخوته إنما هو رجل يحرك قلبه بذكر الأموات كلما عرضت له قسوة" [نزهة الفضلاء610 ]
وما مِنْ كاتـبٍ إلاَّ سَيَفنَـى ويُبقِى الدَّهـرُ ما كَتَبَتْ يــداهُ
فلا تكتُب بِكَفِّـكَ غيرَ شىءٍ يسُرُّك يـومَ القيـامةِ أن تــراهُ