صيد الكتب
إعداد
فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب
القدر سر الله
في مسألة القدر تفرق الناس إلى ثلاث طوائف أو فرق؛ اثنتان ضلت عن الطريق المستقيم، وواحدة هداها الله لإصابة الحق.
فالمجبرة ومنهم الجهمية غلت في ذلك وقالت إن العباد مجبورون على أعمالهم وأن الله جبرهم على ذلك، وأنهم لا قدرة لهم ولا اختيار.
والفرقة الثانية: هم القدرية المجوسية ومنهم المعتزلة الذين قالوا بأن الإنسان خالق لأفعاله، وزعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكن الكافر شاء الكفر. وهم سلكوا هذا المسلك لكي لا يقولوا شاء الله الكفر من الكافر، فوقعوا في شر مما فروا منه، فعلى قولهم هذا يلزم منه أن مشيئة الكافر غلبت مشيئة الله!.
والقول الحق قول السلف أهل السنة والجماعة: أن كل شيء بقضاء الله وقدره، خيره وشره، وحلوه ومره، وأن العباد لهم قدرة ومشيئة ولكنها تابعة لمشيئة الله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
يقرر هذا أبو محمد ابن قدامة المقدسي بقوله :
( من صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد لأحد عن المقدور، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور، أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعا لأطاعوه، خلق الخلائق وأفعالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته... ولا نجعل قضاء الله وقدره حجة لنا في ترك أوامره واجتناب نواهيه، بل يجب أن نؤمن أن لله الحجة علينا بإنزال الكتب وبعثة الرسل، قال الله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} (النساء: 165)، ونعلم أن الله ما أمر ونهى إلا المستطيع للفعل والترك، وأنه لم يجبر أحدا على معصيته، ولا اضطره إلى ترك طاعة، قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا} (البقرة: 286)، وقال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن: 16)، وقال تعالى: {اليوم تجزئ كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم} (غافر: 17)، فدل على أن للعبد فعلا وكسبا، يجزئ على حسنه بالثواب، وعلى سيئه بالعقاب، وهو واقع بقضاء الله وقدره). أهـ.
وينبغي أن يعلم أنه لا ينبغي التعمق والخوض في أسرار القدر، والسلف رحمهم الله كانوا ينهون عن ذلك. يقول الطحاوي في عقيدته:
(وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبي مرسل. والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} (الأنبياء: 23). فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين) [1].
شعرا
قال أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم:
ألا إننـا كـلـنا بائــد وأي بني آدم خـالـــد
وبدؤهم كان من ربهــم وكــل إلى ربـه عائـد
فيا عجبا كيف يعصـى الإ لـه أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء لـه آيــة تـدل عــلى أنه واحـد [2]
[1] - قول ابن قدامة منقول من كتاب القضاء والقدر، للشيخ عبد الرحمن المحمود، ص 257، والطحاوي من شرح عقيدته لابن أبي العز 1/320
[2] - حاشية شرح العقيدة الطحاوية 1/46.