سير أعلام النبلاء الحلقة العاشرة : أمير المؤمنين عمر
صفاته رضي الله عنه :ورد في صفاته نقولات عظيمة ، فكان أكمل الرجال بعد أبو بكر وقبلهما سيد الخلق نبينا عليه الصلاة و السلام .
كان عمر من كبار علماء الصحابة ، و من أفقههم و أعلمهم بكتاب الله .كان رضي الله صلباً في دينه شديداً فيه ، ثابتا على الحق لا يخشى في الله لومة لائم .كان عمر رضي الله عنه شديد الاتباع لسنة النبي ﷺ ، جاء يوماً إلى الحجر الأسود فقبَّله ، وقال :إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يُقبِّلك ما قبَّلتك .رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحُسن الإتباع فيما لم يكشف عن معانيه .
وقال عمر رضي الله عنه : فيم الرَّملان والكشف عن المناكب - أي في الطواف حول الكعبة -، وقد أطَّأ ( ثَبَّتَ ) الله الإسلام، ونفى الشرك وأهله ، ولكن مع ذلك لا ندع شيئاً كُنَّا نفعله مع رسول الله ﷺ . و في هذا دليل على ملازمة الإتباع و عدم ترك السنة ، و إن كان الظاهر أو الواقع يُوهِم عدم الضرر في تركها .ومن صفاته رضي الله عنه أنه كان ذا هيبة عظيمة ؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما : مكثت سنة أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية فما أستطيع أن أسأله هيبة له .
وكان عمر رضي الله عنه شديد المحاسبة لنفسه .قال أنس بن مالك : خرجت يوماً ، فمررت على
حائط - أي بُستان - وإذا بالحائط عمر ، وإذا به يقول لنفسه : بَخٍ بَخٍ والله يا ابن الخطاب ،
لتتقين الله ، أو ليُعذبك .
رواه الإمام مالك في الموطأ .
ومن صفاته العظيمة رضي الله عنه أنه كان شديد التوقي والتواضع ، حريصاً على إرجاع الحق لأصحابه .
وكان رضي الله عنه زاهدا في الدنيا ، فكان في ثوبه 13 رقعة .و إذا ذُكر العدل ذُكر عمر رضي الله عنه .خرج ذات يوم خارج المدينة ومعه غلامه أسلم ، فإذا به يسمع بكاء أطفال ، فذهب نحو الصوت ، وإذا به يرى ناراً حولها امرأة ومعها صبيانها صغار يبكون ، وعلى النار قدر فسلَّم عليهم ، وسألهم عن حالهم ، فشكت له الجوع ، فانطلق رضي الله عنه إلى المدينة ، وجاء معه الدقيق يحمله على ظهره ، فلما وصل للمرأة أخذ يُوقد لها نارها ، وجعل ينفخ تحت القدر ، والدخان يتخلل لحيته رضي الله عنه ، وصنع لهم طعامهم بنفسه ، وأطعمهم .ثم تنحى عمر جانباً عنهم ، حتى سمع الأطفال يتصارعون ثم ناموا ، فقال عمر لغلامه أسلم : يا أسلم إن الجوع أسهرهم وأبكاهم ، فأحببت أن لا أنصرف حتى أرى ما رأيت .
وَمَن رَآهُ أَمامَ القِدرِ مُنبَطِحاً
وَالنارُ تَأخُذُ مِنهُ وَهوَ يُذكيها
وَقَد تَخَلَّلَ في أَثناءِ لِحيَتِهِ
مِنها الدُخانُ وَفوهٌ غابَ في فيها
رَأى هُناكَ أَميرَ المُؤمِنينَ عَلى
حالٍ تَروعُ لَعَمرُ اللَهِ رائيها
يَستَقبِلُ النارَ خَوفَ النارِ في غَدِهِ
وَالعَينُ مِن خَشيَةٍ سالَت مَآقيها
و إلى اللقاء مع الحلقة القادمة . . .
وما مِنْ كاتـبٍ إلاَّ سَيَفنَـى ويُبقِى الدَّهـرُ ما كَتَبَتْ يــداهُ
فلا تكتُب بِكَفِّـكَ غيرَ شىءٍ يسُرُّك يـومَ القيـامةِ أن تــراهُ
