كيف ولماذا خلقت أمريكا تنظيم "داعش"
الولايات المتحدة عدوة الديمقراطيات في كل العالم الثالث، لسبب بسيط هو أن نظامها الرأسمالي- الامبريالي قائم على النهب والسرقة والاحتيال. وللولايات المتحدة تاريخ طويل وعصيب في خلق ودعم الجماعات الإرهابية في كل بقاع العالم، ولن تشكل هذه الحقيقة مفاجأة إلا للذين يشاهدون ويقرؤون الأخبار ويتجاهلون قراءة التاريخ.
منذ إعلان ما يعرف باسم "مبدأ مونرو"، وهو البيان الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو سنة 1823، وفحواه أن الولايات المتحدة لن تتدخل في شؤون العالم ولن تسمح بتدخل أوربا في الأمريكيتين. وكان الغرض من ذلك قطع الطريق على من يحاول مزاحمة أمريكا على مصالحها في المنطقة. وبدأت السياسة الأمريكية تأخذ طرقاً وأساليب عديدة، أهمها اعتماد سياسة دعم الحكومات الموالية لسياستها، وتدبير الانقلابات العسكرية ضد أي حكومة ديمقراطية. وبدأت في تنفيذ خططها الجهنمية المباشرة بمساعدة الشركات الرأسمالية وسفرائها ولاحقاً بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لكي تكون أمريكا الجنوبية حديقتها الخلفية الأمينة.
فأزاحت بالقوة أو عن طريق الانقلابات العسكرية جميع الحكومات المنتخبة ديمقراطياً ونَصّبت مكانهم "جنرالات الموت" الذين تدرّبوا ولا يزالون في "جامعة الأمريكيتين" School of the Americas الرائدة في مجال الإرهاب في فورت بنينغ Fort Benning في ولاية جورجيا. وحسب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية نفسها، استقطبت هذه الجامعة الإرهابية مجرمين وقتلة من 159 دولة، تدربوا فيها وتخرجوا منها، وبلغ عددهم إلى حدود سنة 2010، ما يزيد على 67 ألف جنرال وصغار القتلة الذين يتقنون فنون الإرهاب والقتل والإجرام حتى يساعدوا على تنفيذ "الهولوكوست" الأمريكي دون توقف. أطلق على هؤلاء اسم "فرق الموت"، وبدأ مشوار الاغتصاب المكشوف والمستمر و اللا محدود لجنوب القارة الأمريكية بافتعال الحروب العدوانية وسياسات الانقلابات العسكرية منذ ذلك الحين وحتى وقتنا الحاضر.
وانقلبت أمريكا على نفسها في عهد الحرب الباردة، وانتهكت تعهداتها بانجرافها نحو العالم العربي والإسلامي وانحيازها إلى تنظيمات الإسلام المتطرف في محاولة واضحة لمحاربة النفوذ السوفياتي في الدول العربية والإسلامية آنذاك. فقسمت أمريكا العالم إلى قسمين: شطر يدين بالقوميات والحركات الوطنية التحررية يدعمه ويسانده الاتحاد السوفيتي، والشطر الآخر يحركه الاسلام السياسي المتشدد، والذي اعتبرته أمريكا حليفا في الكفاح ضد الاتحاد السوفيتي.
لهذا السبب ساندت واستخدمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في منتصف الستينيات وبداية السبعينيات، جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ضد نظام جمال عبد الناصر، كحاجز لإحباط التوسع السوفيتي ومنع انتشار الأيديولوجية الماركسية بين الجماهير العربية. وتتالى الدعم ليشمل الحركات الاسلامية المتطرفة ضد سوكارنو في إندونيسيا، والجماعة الإسلامية ضد ذو الفقار علي بوتو في باكستان. وأخيرا وبالتأكيد ليس آخرا، خلقت أمريكا تنظيم "الطالبان" وتنظيم "القاعدة"، في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، كأداة لإرهاب الاتحاد السوفيتي وطرده من أفغانستان. ألا ان السحر انقلب على الساحر، في كل هذه الحالات، والقارئ يعرف البقية. ووسط كل هذه البلبلة يدعي صناع القرار في الولايات المتحدة اليوم أنهم ضد التطرف الإسلامي ويتطلعون الى محاربته بشتى الوسائل، هذا مع العلم أنهم هم من صنعوه كسلاح في السياسة الخارجية الأمريكية لمقاومة الأعداء.
ويعد تنظيم "داعش" احدث سلاح خلقته الولايات المتحدة الأمريكية في مختبراتها السياسية ويشبه إلى حد كبير تنظيم القاعدة، الذي در بدوره نتائج عكسية على السياسة الخارجية الأمريكية (كما اعترفت بذلك هيلاري كلينتون في كتابها "خيارات صعبة"Hard Choices) . وطفت شهرة تنظيم "داعش" إلى الساحة الدولية عندما اقدم مجرمو هذا التنظيم على قطع رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي في شهر أغسطس.
فقامت القيامة ولم تقعد وكأن قطع الرؤوس تخصص داعشي. لكن على ما يبدو أن قيمة الرؤوس عند الأمريكيين تختلف حسب الخلق والانتماء واللون والجنسية! واهم من هذا لماذا هذه الضجة على مقتل مواطن أمريكي واحد (نحن ندين بشدة سلوك داعش الهمجي)؟ كم عدد المدنيين الذين قتلهم تنظيم داعش الإرهابي بالمقارنة مع عدد المدنيين الذين لقوا حتفهم على يد الولايات المتحدة وحلفائها العسكريين الإرهابيين في العراق وأفغانستان والصومال واليمن؟ هل تأسف الغرب، على الأقل، على القتلى المسلمين الابرياء من النساء والأطفال والعجزة؟ هل حرك الغرب ساكنا عندما شنت إسرائيل حربها العنصرية الأخيرة على غزة وقتلت الأطفال والنساء بالمئات وهدمت البيوت بالآلاف على ساكنتها؟
لكي يفهم المرء لماذا نمت وازدهرت "الدولة الإسلامية" بهذه السرعة، عليه أن يلقي نظرة على جذورها المدعومة من الولايات المتحدة. ان الغزو الأميركي عام 2003 للعراق واحتلاله، وتدميره لجهاز الدولة العلمانية واستبدال ادارته السنية بإدارة ذات اغلبية شيعية تسبب في الفوضى السياسية وحالة الدمار والخراب الحالية. وهذا بعينه ما كانت تتطلع إليه أمريكا لخلق الأرضية الخصبة في العراق للانقسامات الطائفية.
هكذا ظهر إلى الوجود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الذي كان يستعمل حتى حدود عام 2010 اسم تنظيم القاعدة في العراق. إلا انه بعد 2011، ومع اندلاع الثورة في سوريا، غيّر التنظيم اسمه الى تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق وسوريا" المعروف باختصار ب"داعش". وأمريكا هي من سلحت داعش لإعلان الحرب على بشار الأسد لسببين: الأول للحد من نفوذ إيران المتنامي في المنطقة والآخر لمواجهة روسيا على ارض سوريا باعتبار الأسد حليفا روسيا رئيسيا.
والمدقق في الصورة المنقولة لنا على الشاشات الصغيرة يلاحظ بكل جلاء أن متمردي تنظيم داعش يلوحون بكل فخر وعلننا أسلحة أمريكية الصنع. فتنظيم داعش مجرد أداة إرهابية تستخدمها السياسة الخارجية الأمريكية ليس لإسقاط حكم الأسد الستاليني-النازي، بل كوسيلة تستخدم للضغط على كل من إيران وروسيا. لكن العفريت الذي خرج من قمقم الطائفية أثقل حمله ظهر أمريكا فارتعد له جنونها فشهرت سكينها لإعادة الجني إلى قلب الزجاجة.
تتمحور السياسة الأميركية في الشرق الأوسط حول نقطتين: النفط وإسرائيل. غزو العراق روى شهية واشنطن للنفط نسبيا، ولكن الضربات الجوية التي بدأت في سوريا على داعش، والعقوبات الاقتصادية على إيران لها علاقة مباشرة ب"أمن" إسرائيل. الهدف من ذلك هو حرمان "أعداء" إسرائيل مثل حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين واليوم ما يسمى داعش في سوريا، من أي سلاح قد يشكل خطرا على وجود الكيان الصهيوني.
واللافت للنظر أن أمريكا تستغل وجود تنظيم داعش لثلاثة أغراض: الأول كمدخل لإثارة التهديد والخوف داخل المجتمع الأمريكي لتبرير التوسع الغير المسبوق للتجسس على المواطنين الأمريكيين، والثاني كذريعة للتقسيم والغزو العسكري للشرق الأوسط الغني بالنفط، والثالث كأداة لحماية ما تبقى من الديكتاتوريات العربية بمواجهة ما يسمى بالأعداء ولاسيما روسيا وإيران.
منذ إعلان ما يعرف باسم "مبدأ مونرو"، وهو البيان الذي أعلنه الرئيس الأمريكي جيمس مونرو سنة 1823، وفحواه أن الولايات المتحدة لن تتدخل في شؤون العالم ولن تسمح بتدخل أوربا في الأمريكيتين. وكان الغرض من ذلك قطع الطريق على من يحاول مزاحمة أمريكا على مصالحها في المنطقة. وبدأت السياسة الأمريكية تأخذ طرقاً وأساليب عديدة، أهمها اعتماد سياسة دعم الحكومات الموالية لسياستها، وتدبير الانقلابات العسكرية ضد أي حكومة ديمقراطية. وبدأت في تنفيذ خططها الجهنمية المباشرة بمساعدة الشركات الرأسمالية وسفرائها ولاحقاً بمساعدة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لكي تكون أمريكا الجنوبية حديقتها الخلفية الأمينة.
فأزاحت بالقوة أو عن طريق الانقلابات العسكرية جميع الحكومات المنتخبة ديمقراطياً ونَصّبت مكانهم "جنرالات الموت" الذين تدرّبوا ولا يزالون في "جامعة الأمريكيتين" School of the Americas الرائدة في مجال الإرهاب في فورت بنينغ Fort Benning في ولاية جورجيا. وحسب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية نفسها، استقطبت هذه الجامعة الإرهابية مجرمين وقتلة من 159 دولة، تدربوا فيها وتخرجوا منها، وبلغ عددهم إلى حدود سنة 2010، ما يزيد على 67 ألف جنرال وصغار القتلة الذين يتقنون فنون الإرهاب والقتل والإجرام حتى يساعدوا على تنفيذ "الهولوكوست" الأمريكي دون توقف. أطلق على هؤلاء اسم "فرق الموت"، وبدأ مشوار الاغتصاب المكشوف والمستمر و اللا محدود لجنوب القارة الأمريكية بافتعال الحروب العدوانية وسياسات الانقلابات العسكرية منذ ذلك الحين وحتى وقتنا الحاضر.
وانقلبت أمريكا على نفسها في عهد الحرب الباردة، وانتهكت تعهداتها بانجرافها نحو العالم العربي والإسلامي وانحيازها إلى تنظيمات الإسلام المتطرف في محاولة واضحة لمحاربة النفوذ السوفياتي في الدول العربية والإسلامية آنذاك. فقسمت أمريكا العالم إلى قسمين: شطر يدين بالقوميات والحركات الوطنية التحررية يدعمه ويسانده الاتحاد السوفيتي، والشطر الآخر يحركه الاسلام السياسي المتشدد، والذي اعتبرته أمريكا حليفا في الكفاح ضد الاتحاد السوفيتي.
لهذا السبب ساندت واستخدمت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في منتصف الستينيات وبداية السبعينيات، جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ضد نظام جمال عبد الناصر، كحاجز لإحباط التوسع السوفيتي ومنع انتشار الأيديولوجية الماركسية بين الجماهير العربية. وتتالى الدعم ليشمل الحركات الاسلامية المتطرفة ضد سوكارنو في إندونيسيا، والجماعة الإسلامية ضد ذو الفقار علي بوتو في باكستان. وأخيرا وبالتأكيد ليس آخرا، خلقت أمريكا تنظيم "الطالبان" وتنظيم "القاعدة"، في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، كأداة لإرهاب الاتحاد السوفيتي وطرده من أفغانستان. ألا ان السحر انقلب على الساحر، في كل هذه الحالات، والقارئ يعرف البقية. ووسط كل هذه البلبلة يدعي صناع القرار في الولايات المتحدة اليوم أنهم ضد التطرف الإسلامي ويتطلعون الى محاربته بشتى الوسائل، هذا مع العلم أنهم هم من صنعوه كسلاح في السياسة الخارجية الأمريكية لمقاومة الأعداء.
ويعد تنظيم "داعش" احدث سلاح خلقته الولايات المتحدة الأمريكية في مختبراتها السياسية ويشبه إلى حد كبير تنظيم القاعدة، الذي در بدوره نتائج عكسية على السياسة الخارجية الأمريكية (كما اعترفت بذلك هيلاري كلينتون في كتابها "خيارات صعبة"Hard Choices) . وطفت شهرة تنظيم "داعش" إلى الساحة الدولية عندما اقدم مجرمو هذا التنظيم على قطع رأس الصحفي الأمريكي جيمس فولي في شهر أغسطس.
فقامت القيامة ولم تقعد وكأن قطع الرؤوس تخصص داعشي. لكن على ما يبدو أن قيمة الرؤوس عند الأمريكيين تختلف حسب الخلق والانتماء واللون والجنسية! واهم من هذا لماذا هذه الضجة على مقتل مواطن أمريكي واحد (نحن ندين بشدة سلوك داعش الهمجي)؟ كم عدد المدنيين الذين قتلهم تنظيم داعش الإرهابي بالمقارنة مع عدد المدنيين الذين لقوا حتفهم على يد الولايات المتحدة وحلفائها العسكريين الإرهابيين في العراق وأفغانستان والصومال واليمن؟ هل تأسف الغرب، على الأقل، على القتلى المسلمين الابرياء من النساء والأطفال والعجزة؟ هل حرك الغرب ساكنا عندما شنت إسرائيل حربها العنصرية الأخيرة على غزة وقتلت الأطفال والنساء بالمئات وهدمت البيوت بالآلاف على ساكنتها؟
لكي يفهم المرء لماذا نمت وازدهرت "الدولة الإسلامية" بهذه السرعة، عليه أن يلقي نظرة على جذورها المدعومة من الولايات المتحدة. ان الغزو الأميركي عام 2003 للعراق واحتلاله، وتدميره لجهاز الدولة العلمانية واستبدال ادارته السنية بإدارة ذات اغلبية شيعية تسبب في الفوضى السياسية وحالة الدمار والخراب الحالية. وهذا بعينه ما كانت تتطلع إليه أمريكا لخلق الأرضية الخصبة في العراق للانقسامات الطائفية.
هكذا ظهر إلى الوجود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الذي كان يستعمل حتى حدود عام 2010 اسم تنظيم القاعدة في العراق. إلا انه بعد 2011، ومع اندلاع الثورة في سوريا، غيّر التنظيم اسمه الى تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق وسوريا" المعروف باختصار ب"داعش". وأمريكا هي من سلحت داعش لإعلان الحرب على بشار الأسد لسببين: الأول للحد من نفوذ إيران المتنامي في المنطقة والآخر لمواجهة روسيا على ارض سوريا باعتبار الأسد حليفا روسيا رئيسيا.
والمدقق في الصورة المنقولة لنا على الشاشات الصغيرة يلاحظ بكل جلاء أن متمردي تنظيم داعش يلوحون بكل فخر وعلننا أسلحة أمريكية الصنع. فتنظيم داعش مجرد أداة إرهابية تستخدمها السياسة الخارجية الأمريكية ليس لإسقاط حكم الأسد الستاليني-النازي، بل كوسيلة تستخدم للضغط على كل من إيران وروسيا. لكن العفريت الذي خرج من قمقم الطائفية أثقل حمله ظهر أمريكا فارتعد له جنونها فشهرت سكينها لإعادة الجني إلى قلب الزجاجة.
تتمحور السياسة الأميركية في الشرق الأوسط حول نقطتين: النفط وإسرائيل. غزو العراق روى شهية واشنطن للنفط نسبيا، ولكن الضربات الجوية التي بدأت في سوريا على داعش، والعقوبات الاقتصادية على إيران لها علاقة مباشرة ب"أمن" إسرائيل. الهدف من ذلك هو حرمان "أعداء" إسرائيل مثل حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين واليوم ما يسمى داعش في سوريا، من أي سلاح قد يشكل خطرا على وجود الكيان الصهيوني.
واللافت للنظر أن أمريكا تستغل وجود تنظيم داعش لثلاثة أغراض: الأول كمدخل لإثارة التهديد والخوف داخل المجتمع الأمريكي لتبرير التوسع الغير المسبوق للتجسس على المواطنين الأمريكيين، والثاني كذريعة للتقسيم والغزو العسكري للشرق الأوسط الغني بالنفط، والثالث كأداة لحماية ما تبقى من الديكتاتوريات العربية بمواجهة ما يسمى بالأعداء ولاسيما روسيا وإيران.
ملاحظة خارج النص المقال يصر على أن كل ما يحدث في العراق وسوريا هو من تنظيم واحد ( داعش) وينسى او يتناسى مختلف فصائل المقاومة العراقية والجيش العراقي السابق؛ الذي يملك الانتصارات الحقيقية على الأرض.