روايات صحيحة مختارة من حياة الصحابة
للشيخ محمد يوسف الكاندهلوي
رغبة الصحابة في تحمُّل الغبار في سبيل الله قصة جابر بن عبد الله في الباب - صلاة عباد بن بشر الأنصاري في سبيل الله
رغبة الصحابة في تحمُّل الغبار في سبيل الله قصة جابر بن عبد الله في الباب
31- عن أبي المُصبِّح المُقْرائي قال: بينما نحن نسير بأرض الروم في طائفة عليها مالك بن عبد الله الخثعمي، إذ مرّ مالك بجابر بن عبد الله رضي الله عنهما وهو يقود بغلاً له، فقال له مالك: أيْ أبا عبد الله إركب فقد حملك الله. فقال جابر: أصلح دابتي، واستغني عن قومي، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرَّمه الله على النار». فسار حتى إذا كان حيث يسمعه الصوت نادى بأعلى صوته: يا أبا عبد الله اركب فقد حملك الله، فعرف جابر الذي يريد، فقال أصلح دابتي[1]، واستغني عن قومي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من اغبرت قدماه في سبيل الله حرّمه الله على النار. فتواثب الناس عن دوابهم، فما رأيت يوماً أكثر ماشياً منه.(23)
صلاة عباد بن بشر الأنصاري في سبيل الله
32- عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرِقاع من نخل[2]، فأصاب[3] رجل إمرأة رجل من المشركين. فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلاً أتى زوجُها وكان غائباً فلما أُخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يُهَرِيقَ في أصحاب محمد دماً. فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل[4] رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً فقال: «من (رجل) يكلؤنا[5] ليلتَنا؟» فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقالا: نحن يا رسول الله. قال: «فكونا بفم الشِّعب من الوادي» وهما: عمار بن ياسر وعبَّاد بن بشر.
فلما خرجا إلى فم الشِّعب قال الأنصاري للمهاجري: أيُّ الليل تحب أن أكفيكَهُ أولَه أم آخرَه؟ قال: بل أكفني أوّلَه، فاضطجع المهاجري فنام؛ وقام الأنصاري يصلِّي. قال: وأتى الرجل: فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئةُ[6] القوم، فرمى بسهم فوضعه فيه، فانتزعه ووضعه وثبت قائماً. قال: ثم رمى بسهم آخر فوضعه فيه، فنزعه فوضعه وثبت قائماً. قال: ثم عاد له بالثالث، فوضعه فيه، فنزعه فوضعه، ثم ركع وسجد، ثم أهبَّ[7] صاحبه، فقال: إجلس فقد أُثْبِتُّ[8]. قال: فوثب الرجل، فلما رآهما عرف أنه قد نذِرا[9] به، فهرب. قال: ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدماء قال: سبحان الله أفلا أهببتني أول ما رماك؟ قال: كنت في سورة أقرؤها، فلم أحبَّ أن أقطعها حتى أنفذها. فلما تابع عليَّ الرمي ركعت فآذنتك، وايْمُ الله، لولا أن أضيِّع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لقَطَع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها[10]. (24)
[2] نخل: موضع بنجد من أرض غطفان .
[3] أي فجعها قتلاً أو أسراً .
[4] فنزل : المراد بالنزول ، نزول المسافر بالليل للاستراحة .
[5] يكلؤنا: يحرسنا ويحفظنا .
[6] الربيئة : العين والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم العدو .
[7] أهبّ أيقظ .
(23) روأبو يعلى بإسناد جيد كما فى الترغيب والترهيب (3/396 )ورواه ابن حبان فى صحيحه (4604) وغيرهما
[8] أثبت : طعنت وحبست في مكاني .
[9] نذرا : علما .
[10] أنفذها أي أمضيها وأنهينا .