الإستقامة في مائة حديث نبوي
الدكتور محمد زكي محمد خضر
ـ 2 ـ الإخلاص - ـ 3 ـ التقوى
ـ 2 ـ الإخلاص
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" قالَ اللّهُ تَباركَ وتَعالى أنا أغنى الشُرَكاءِ عَن الشِرك . مَن عَمِلَ عَمَلا أشركَ فيهِ معي غيري تركتُهُ وشِركَهُ "
(رواه مسلم )
الإخلاص شرط في قبول الله تعالى للعمل الصالح ، قال الله تعالى: " وَما أُمِروا إلاّ ليَعبُدوا اللّه مُخلِصين له الدينَ " (5)ـ ، وقال: " ألا للّه الدين الخالِص " (6) ، قال الفضيل بن عياض(7): ترك العمل من أجل الناس رياء ، والعمل من أجل الناس شرك ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما . وهكذا فإن تمام اليقين بشهادة أن لا إلَه إلاّ الله أن لا ينوي حينما يفعل إحسانا الاّ أن ذلك لله وحده ، ولا يترك فعلا إلا لله ، ولا يتأثر بفعل ما سواء حضر الناس أم غابوا . فإنه ليس لله حاجة بعبادة أحد له ، وهو أغنى الشركاء عن الشرك ، فإذا أشرك العبد في أمر ما بحيث قصد أن يكون لله وللناس فإن الله غير محتاج لذلك العمل . وعلى المسلم أن يراقب نيته وقصده في كل عمل فما كان فيه شركا مع الله تعالى فعليه أن يصحح نيته فيه لكي تكون خالصة لله. كما عليه أن يجتنب الشرك في القول ، كقول أحدهم: هذا لله ولك ، أو قوله إذا أراد الله وأردت ، والحلف برأس المخاطب ، كما عليه أن يجتنب الشرك في الفعل كالذبح تحت أقدام البشر ، أو الركوع أمامهم ، أو الغلو في مدحهم بما يوهم رفعهم فوق مستوى البشر.
وعلى المؤمن أن يكون له ، ولو جزءا من عمله خالصا من أي رياء أو منّ على أحد ، من أعمال السر بحيث لا يعلم به أحد إلاّ الله كصدقة السر أو صلاة التهجد منفردا أو إحسان لا يعلم به أحد حتى من يستفيد منه ويجهد نفسه على أن تكون الأعمال الظاهرة الأخرى خالصة من الشوائب قدر استطاعته فتلك خطوة أخرى على طريق الاستقامة.كما أن عليه أن لا يترك عملا صالحا من أجل الناس قال الله تعالى عن المؤمنين: " يجاهدون في سَبيل اللّه ولا يخافونَ لومَة لائِم " (8) فهو لا يرى لغير الله إرادة أو استطاعة لضرر إلاّ بإذنه وكلما ازداد المؤمن إيمانا كلما وضحت عنده تلك الحقيقة وفتح الله له بحيث يرى براهين جديدة تطمئن إليها نفسه. كتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية رضي الله عنه: سلام عليك ، أما بعد فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول: " مَن أرضى الناسَ بِسَخَطِ اللّهِ و كَلَهُ اللّهُ إلى النّاسِ ، و مَن أسخَطَ النّاس بِرِضاءِ اللّهِ كَفاهُ اللّهُ مَؤنَةَ النّاسِ "(9) .
ـ 3 ـ التقوى
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
أتّقِ اللّه حيثُما كنتَ وأتبِع السيئةَ الحسَنَة تَمحُها وخالِقِ الناسَ بِخُلُق حَسَن "
(رواه الترمذي وقال حديث حسن)(10 و 11)
حث الله تعالى في القرأن الكريم على التقوى في أيات كثيرة: " ياأيّها الّذين أمنوا إتقوا اللّه حقّ تُقاتِه ولا تَموتُنّ إلاّ وأنتُم مسلمون " (12) ، " ياأيّها النّاسُ اتّقوا ربّكُم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم " (13) ، " ياأيّها النبيّ إتّق اللّه ولاتُطِع الكافرين والمُنافقينَ إنّ اللّه كانَ عَليما حَكيما " (14).
وكلمة التقوى مشتقة من الوقاية ، فالتقوى هي إطاعة الله خشية عذابه ، وهي عمل بطاعة الله على نور من الله مخافة عقاب الله.
ويدعو الملائكةُ للمؤمنين كما يحكي لنا القرآن الكريم: " وقِهِم السّيئات وَمَن تَقِ السّيئات فقد رَحِمتَهُ " (15) ، وعلى المسلم أن يدعو الله على الدوام أن يقيه الوقوع في السيئات والآثام ، أليس هو الذي يدعو ربه في كل ركعة من ركعات صلاته: " إهدِنا الصِراطَ المُستَقيم " (16). وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو: " اللّهُمّ إني أسألُكَ الهُدى والتُقى والعفاف والغنى " (17).
إن مكان التقوى هو القلب ، لكن الدليل على مايضمره القلب هو الأعمال الظاهرة على الجوارح ، فمن ادّعى التقوى وكانت أعماله تناقض قوله فقد كذب . ويختلف مقدار ما يفرض الله على المرء من تقوى بحسب إستطاعته ، قال الله تعالى: " فاتّقوا اللّهَ ما استَطَعتُم " (18). والسبيل إلى التقوى هو مراقبة النفس ومنعها عن إتباع أهوائها بما يناقض أوامر الله تعالى ولكي تنقاد إلى ما أمر به وعدم الغفلة سواء في حالة الإنقياد الى أمر الله أو إجتناب نواهيه ، قال تعالى: " إنّ الّذينَ اتَّقوا إذا مَسَّهُم طائِف مِنَ الشيطانِ تَذَكَّروا فإذا هُم مُبصِرون " (19).
المراجع :
ـ5ـ سورة البينة الآية 5.
ـ6ـ سورة الزمر الآية 3.
ـ7ـ الفضيل بن عياض بن مسعود التميمي. نشأ في خراسان من ناحية مرو ، كان قاطع طريق ، وكان سبب توبته بينما هو يرتقي الجدران إبتغاء الوصول إلى جارية أحبها إذ سمع تاليا يتلو: " ألَم يَأنِ لِلّذينَ آمنوا أن تخشعَ قُلوبُهُم لِذِكرِ اللّهِ " ، فقال يا رب قد آن ، فرجع فآواه الليل إلى خربة فإذا فيها رفقة يريدون أن يرتحلوا فقال بعضهم حتى نصبح فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا فتاب وأمنهم . وجاور بمكة حتى توفي سنة 187هـ. وكان ورعا تقيا .
ـ8ـ سورة المائدة الآية 54.
ـ9ـ رواه الترمذي وأبو نعيم في حلية الأولياء.
ـ10ـ الإمام الترمذي هو أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ، ولد سنة 200هـ بترمذ وتوفي بها سنة 279هـ وكان حافظا بارعا في علم الحديث ، كتابه المعروف بسنن الترمذي فيه أكثر من 5000 حديث و هوالثالث في الترتيب بعد صحيحي البخاري ومسلم . وفيه القليل جدا من الضعيف . و إذا قيل عن حديث رواه الثلاثة فيعني ذلك البخاري ومسلم والترمذي.
ـ11ـ الحديث الحسن هو إصطلاح أوجده الترمذي و يقصد به الحديث الذي هو دون الصحيح و فوق الضعيف . و يعتبره معظم أئمة الحديث من الصحيح لكن فيه علة خفيّة لا تقدح في صحته .
- 12ـ سورة آل عمران الآية 102.
- 13ـ سورة الحج الآية 1.
- 14ـ سورة الأحزاب الآية 1.
- 15ـ سورة غافر الآية 9.
- 16ـ سورة الفاتحة الآية 6.
ـ17ـ رواه مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
ـ 18ـ سورة التغابن الآية 16.
- 19ـ سورة الأعراف الآية 201.