كيف واجهت المقاومة عملية "الجرف الصامد"
الجرف الصامد اسم معركة غزة بمسمى جيش الاحتلال
بينما اعترف رئيس هيئة الأركان السابق في الجيش الإسرائيلي، ورئيس حزب كاديما، شاؤول موفاز أن حركة حماس نجحت في جر إسرائيل إلى حرب استنزاف، لم يتوقع أي من القادة الكبار -الساسة والعسكريين-في (تل أبيب)، أنّها ستطول أكثر من شهر ونصف، دون أنْ يروا نهاية في الأفق، بحسب الخبير في الشؤون العسكرية بصحيفة يديعوت احرونوت، أليكس فيشمان.
موفاز قال في تصريح ليديعوت، أمس الأحد: "بعد 50 يوما، أقول إنها حملة طويلة، واستطاعت حماس جرنا إلى حرب استنزاف".
وكانت كتائب القسام أعلنت الشروع في مرحلة حرب الاستنزاف، بعد انهيار مسار المفاوضات للوصول إلى وقف إطلاق نار دائم، بوساطة مصرية.
ووفق فيشمان، فإن حروب إسرائيل السابقة لم تستنزفها؛ بسبب أنها كانت على خط النار، لكن فصائل المقاومة حققت نجاحا كبيرا في نقل المعركة إلى داخل الكيان. وقال: "حركتا حماس والجهاد الإسلامي نجحتا في استنزاف الجيش الإسرائيلي أولا، ومن ثم الشعب الإسرائيلي، ففي حروب إسرائيل السابقة مع الجيش المصري لم ينزح أي إسرائيلي من بيته، لكن في الحرب على غزة نزح آلاف الإسرائيليين من بيوتهم، وجميع الكيبوتسات المجاورة لقطاع غزة، في عِداد النازحين؛ بسبب شدة القصف".
وقد اعتمدت المقاومة -على رأسها القسام-أساليب وتكتيكات عسكرية عدة، وصولا إلى حرب الاستنزاف، يمكن استعراض بعضها على النحو التالي:
حرب العصابات:
في أول مواجهات خاضها القسام على الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، كان الاحتلال يتقدم بآلياته الكبيرة معتمدا على سلاح المدرعات (الميركافاه والجرافات) التي احتمت بها وحدات النخبة، وكانت تتقدم ببطء تحت غطاء سلاح الجو والقصف المدفعي، بينما واجهتهم خلايا صغيرة من المقاومة، تتحرك بسرعة وخفة، معتمدة على عتادها المحدود من القذائف المضادة للدروع والعبوات والأسلحة الخفيفة، والسلاح الأهم الأنفاق، الذي وفرّ لهم عنصر المباغتة.
في أول مواجهات خاضها القسام على الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، كان الاحتلال يتقدم بآلياته الكبيرة معتمدا على سلاح المدرعات (الميركافاه والجرافات) التي احتمت بها وحدات النخبة، وكانت تتقدم ببطء تحت غطاء سلاح الجو والقصف المدفعي، بينما واجهتهم خلايا صغيرة من المقاومة، تتحرك بسرعة وخفة، معتمدة على عتادها المحدود من القذائف المضادة للدروع والعبوات والأسلحة الخفيفة، والسلاح الأهم الأنفاق، الذي وفرّ لهم عنصر المباغتة.
قوات الاحتلال كانت تتحرك وفق خطة تشترك فيها جميع الوحدات العسكرية بنظام وانضباط وحذر، في حين تصدى لهم المقاتلون بطريقة تبدو وكأنها فوضوية، ثبت لاحقا أنها جزء من أساليب حرب العصابات، حيث يخرجون من الأنفاق، ويهاجمون بسرعة خاطفة من الأمام والجوانب، ويختفوا بعد إيقاع خسائر في الجنود والآليات، التي تحولت إلى عبء بسبب محاولات تأمينها وسحبها من ميدان المواجهة.
وتختصر شهادات جنود الاحتلال المشهد، كما تنقل صحيفة هآرتس عن أحد الجنود قوله: "أشعر بأنني تحت النار طوال الوقت، وأن هناك أشباحًا، وهو أمر مخيف". (هل يؤكد هذا ما تناقلته الأخبار عن مدد الملائكة) ويضيف جندي آخر: "إن الخوف من الاختطاف أو من خطر هجوم مفاجئ، محدق بشكل دائم فوقنا، طوال الوقت هناك إحساس بأن نفقا جديدا سينفتح فجأة أمامنا".
العدوانية القصوى:
بعد نحو أسبوع من القصف الجوي، تحركت المقاومة وفقا لمبدأ معاكس، ففي ظل تواضع بُنيتها العسكرية التي لا تقارن مع القوة العسكرية الغاشمة، وأمام أنظمة دفاعية للاحتلال على الحدود الشرقية والشمالية والبحرية، لم تنتظر كتائب القسام ليقدم الاحتلال على تنفيذ العملية البرية، فبدأت بشن عمليات بحرية وبرية خلف خطوط العدو، ما شكّل صدمة ومفاجأة لجيش الاحتلال، كانت أبرزها عملية زيكيم التي نفذتها قوة بحرية.
بعد نحو أسبوع من القصف الجوي، تحركت المقاومة وفقا لمبدأ معاكس، ففي ظل تواضع بُنيتها العسكرية التي لا تقارن مع القوة العسكرية الغاشمة، وأمام أنظمة دفاعية للاحتلال على الحدود الشرقية والشمالية والبحرية، لم تنتظر كتائب القسام ليقدم الاحتلال على تنفيذ العملية البرية، فبدأت بشن عمليات بحرية وبرية خلف خطوط العدو، ما شكّل صدمة ومفاجأة لجيش الاحتلال، كانت أبرزها عملية زيكيم التي نفذتها قوة بحرية.
هذه المبادرات، أربكت حسابات الاحتلال وجعلته ينطلق في العملية البرية دون أن يتحكم بزمانها ولا مكانها، وهكذا كانت المقاومة تسبق الاحتلال بخطوة.
أرض الموت:
في أوج العملية البرية والمواجهة غير المسبوقة بين الاحتلال والمقاومة على مشارف قطاع غزة الشرقية والشمالية، بدا شكل المعركة غريبا، فقد احتمى جنود الاحتلال بدباباتهم، ولم يتحركوا خارجها إلا بغطاء جوي، بينما تنقل مقاتلو القسام داخل الأنفاق وبين البيوت المدمرة، تحت قصف مدفعي وجوي عنيف لم يتوقف، لكن إستراتيجية قيادة القسام كانت تقضي بأن تقاتل النخبة في أرض الموت، خاصة أنها تهيأت لإمكانية أن يتم قصف عيون الأنفاق، وتنقطع خطوط الاتصال والإمداد، لهذا تحولت مسارات الأنفاق إلى اتجاه واحد فقط، نحو العدو، لا تراجع ولا استسلام، فلم يعد الانسحاب خيارا، وأصبحت كل مجموعة تقاتل كأنها على جزيرة، لهذا صُعق جنود الاحتلال بطريقة هجمات المقاتلين.
في أوج العملية البرية والمواجهة غير المسبوقة بين الاحتلال والمقاومة على مشارف قطاع غزة الشرقية والشمالية، بدا شكل المعركة غريبا، فقد احتمى جنود الاحتلال بدباباتهم، ولم يتحركوا خارجها إلا بغطاء جوي، بينما تنقل مقاتلو القسام داخل الأنفاق وبين البيوت المدمرة، تحت قصف مدفعي وجوي عنيف لم يتوقف، لكن إستراتيجية قيادة القسام كانت تقضي بأن تقاتل النخبة في أرض الموت، خاصة أنها تهيأت لإمكانية أن يتم قصف عيون الأنفاق، وتنقطع خطوط الاتصال والإمداد، لهذا تحولت مسارات الأنفاق إلى اتجاه واحد فقط، نحو العدو، لا تراجع ولا استسلام، فلم يعد الانسحاب خيارا، وأصبحت كل مجموعة تقاتل كأنها على جزيرة، لهذا صُعق جنود الاحتلال بطريقة هجمات المقاتلين.
سأل الصحفي الإسرائيلي في صحيفة يديعوت أحرنوت، ناحوم برنياع، ضابطا إسرائيليا كبيرا: "هل وُجد مقاتل من حماس معه سلاحا، رفع يديه واستسلم؟"، أجاب: "لا، لم يحدث ذلك إلى الآن". هذا القول الذي جاء من ضابط كان في ميدان الحرب ليس الوحيد، فشهادات عدة لجنود، تؤكد شراسة وقوة حماس العسكرية.
أحد الجنود المصابين، قال للقناة الإسرائيلية الثانية: "نحن نعرف عدونا جيدا، لكننا تفاجأنا منه ومن قدراته القتالية، ". ويقول جندي آخر مصاب: "نشتبك وجها لوجه جنوده أصبحوا يلبسون مثلنا، نفس الزي، ويعملون بنفس الطريقة مع عناصر القسام، لكنهم حريصون على أسرنا أكثر من حرصهم على قتلنا، ونشعر بأيد تشدنا نحو غزة، لكن لا نرى أحدا".
فن السيطرة:
منذ بداية المواجهة، كان التساؤل الكبير: من يقود مسار الحرب ويسيطر في اتجاهاتها، ويمتلك زمام المبادرة؟، ومع عدم إمكانية إجراء مقارنة بين القوتين العسكريتين على الإطلاق، فقد اعتمدت المقاومة على سلسلة عمليات خاطفة، ومفاجأة العدو في عدة مراحل، سواء في المواجهة الجوية أو البرية أو حتى الإنزال من البحر.
منذ بداية المواجهة، كان التساؤل الكبير: من يقود مسار الحرب ويسيطر في اتجاهاتها، ويمتلك زمام المبادرة؟، ومع عدم إمكانية إجراء مقارنة بين القوتين العسكريتين على الإطلاق، فقد اعتمدت المقاومة على سلسلة عمليات خاطفة، ومفاجأة العدو في عدة مراحل، سواء في المواجهة الجوية أو البرية أو حتى الإنزال من البحر.
وظهر جيش الاحتلال القوي يلهث خلف المقاومة، والنتيجة: (من المحبط والمزعج أن تكون الأقوى بينما تقوم بدور المدافع)، ولهذا عمد الاحتلال في ظل هذا الخلل الاستراتيجي إلى تضخيم قدرات المقاومة؛ كي يبرر إخفاقه. لهذا، قال المراسل العسكري لصحيفة يديعوت إن ما فعلته فصائل المقاومة في تلك الحرب الدائرة رحاها، لم تفعله ثلاثة جيوش عربية خلال حروبها مع إسرائيل.
مركز الجاذبية:
رغم أن دولة الاحتلال تمتلك القوة العسكرية الأقوى في المنطقة، وعمودها الجيش الإسرائيلي، إلا أنه من خلال إعداد المقاومة للمواجهة، اكتشفت أن هذه القوة تعتمد في الأساس على مناعة الجبهة الداخلية، التي بنتها على مدار سنوات من الحروب والانتصارات، والتفوق النوعي على العرب.
رغم أن دولة الاحتلال تمتلك القوة العسكرية الأقوى في المنطقة، وعمودها الجيش الإسرائيلي، إلا أنه من خلال إعداد المقاومة للمواجهة، اكتشفت أن هذه القوة تعتمد في الأساس على مناعة الجبهة الداخلية، التي بنتها على مدار سنوات من الحروب والانتصارات، والتفوق النوعي على العرب.
لهذا، لم تخض الجبهة الداخلية الحروب التي كانت تنقلها إسرائيل إلى أراض عربية، فقامت إسرائيل على عناصر الرفاهية والتفوق والأمان. هنا كان مركز الثقل الحقيقي وليس الجيش الإسرائيلي، لهذا ركّزت المقاومة على استهدافها بالصواريخ وقذائف الهاون، واستثمرت كل ذلك في حرب نفسية دفعت المستوطنين في مستوطنات غلاف غزة إلى تلقي الأوامر من كتائب القسام لا من قيادتهم العسكرية والسياسية. وظهرت القوة العسكرية الكبيرة "الجيش" عاجزة عن توفير أدنى متطلبات الأمن، وكأن المقاومة حيّدتها. فانكشفت إسرائيل في هذه المواجهة.
فاوض أثناء التقدم:
نظرت حماس إلى المفاوضات التي جرت بوساطة مصرية على أنها امتداد للمواجهة العسكرية، وليست منفصلة عنها، فكلاهما يحتاج إلى المناورة والإستراتيجية. لهذا، كانت تتقدم في مطالبها كما تتحرك في ميدان المعركة، وكل شيء بثمن، حتى جولات التهدئة الإنسانية تحسب بالساعات، وتعمد إلى تصعيد ضرباتها قبل بداية كل جولة من وقف إطلاق النار المؤقت، كما رفضت أن تكون المفاوضات على حساب المواجهة الميدانية، بينما استثمرت فترات وقف إطلاق النار لإعادة تنظيم صفوفها، وترميم قدرتها العسكرية. وكان موقفها حازما، وأوقفت المفاوضات عندما وجدت أن الاحتلال يستغل الهدوء لصالح قدراته الاستخباراتية.
نظرت حماس إلى المفاوضات التي جرت بوساطة مصرية على أنها امتداد للمواجهة العسكرية، وليست منفصلة عنها، فكلاهما يحتاج إلى المناورة والإستراتيجية. لهذا، كانت تتقدم في مطالبها كما تتحرك في ميدان المعركة، وكل شيء بثمن، حتى جولات التهدئة الإنسانية تحسب بالساعات، وتعمد إلى تصعيد ضرباتها قبل بداية كل جولة من وقف إطلاق النار المؤقت، كما رفضت أن تكون المفاوضات على حساب المواجهة الميدانية، بينما استثمرت فترات وقف إطلاق النار لإعادة تنظيم صفوفها، وترميم قدرتها العسكرية. وكان موقفها حازما، وأوقفت المفاوضات عندما وجدت أن الاحتلال يستغل الهدوء لصالح قدراته الاستخباراتية.
استراتيجية الخروج:
وكما حددت المقاومة أهدافها من المواجهة، حددا أيضا أهدافها من المفاوضات. فهي لديها إستراتيجية للخروج من المعركة، قد تكون فيها مجازفة، لكنها ليست مقامرة، كما ظهر سلوك الاحتلال، الذي انعكس ارتباكا في الأهداف والقرارات؛ ما أشعل الصراعات الداخلية بين وزراء الحكومة، وفجّر الغضب وعدم ثقة الجمهور الإسرائيلي اتجاه حكومته، وبات ما يحرك قيادة الاحتلال بمستوييها السياسي والعسكري، هو الكبرياء والخوف على السُمعة.
وكما حددت المقاومة أهدافها من المواجهة، حددا أيضا أهدافها من المفاوضات. فهي لديها إستراتيجية للخروج من المعركة، قد تكون فيها مجازفة، لكنها ليست مقامرة، كما ظهر سلوك الاحتلال، الذي انعكس ارتباكا في الأهداف والقرارات؛ ما أشعل الصراعات الداخلية بين وزراء الحكومة، وفجّر الغضب وعدم ثقة الجمهور الإسرائيلي اتجاه حكومته، وبات ما يحرك قيادة الاحتلال بمستوييها السياسي والعسكري، هو الكبرياء والخوف على السُمعة.
التفوق الأخلاقي:
حرصت المقاومة من خلال فعلها العسكري، وإدارتها الإعلامية، التي تمثلت في نشر البيانات والصور والأفلام، عبر إعلامها الحربي، أن تكون كل أهدافها التي هاجمتها عسكرية، سواء الجنود أو آلياتهم أو مواقعهم العسكرية، بينما نقلت وسائل الإعلام العالمية مشاهد المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، باعتبارهم أبرز ضحايا الحرب الإسرائيلية، وبهذا فضحت المقاومة الصورة الزائفة التي كان يروجها الاحتلال على مدار عقود، حول مزاعم "تفوقه الأخلاقي"، واستطاعت المقاومة أن تكسب هذه المعركة، ولم تنجر لردات فعل انتقامية أمام جرائم ومجازر الاحتلال، وقد لاقى ذلك صدى عالميا.
حرصت المقاومة من خلال فعلها العسكري، وإدارتها الإعلامية، التي تمثلت في نشر البيانات والصور والأفلام، عبر إعلامها الحربي، أن تكون كل أهدافها التي هاجمتها عسكرية، سواء الجنود أو آلياتهم أو مواقعهم العسكرية، بينما نقلت وسائل الإعلام العالمية مشاهد المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، باعتبارهم أبرز ضحايا الحرب الإسرائيلية، وبهذا فضحت المقاومة الصورة الزائفة التي كان يروجها الاحتلال على مدار عقود، حول مزاعم "تفوقه الأخلاقي"، واستطاعت المقاومة أن تكسب هذه المعركة، ولم تنجر لردات فعل انتقامية أمام جرائم ومجازر الاحتلال، وقد لاقى ذلك صدى عالميا.
وباستعراض سريع لخطابات القسام على لسان المتحدث باسمها أبو عبيدة، أو حتى الخطاب الوحيد الذي خرج به القائد العام محمد الضيف، يبدو جليا أنه تم انتقاء مفردات الخطاب بعناية، خصوصا مراعاة مطالب وقضايا عادلة تكفلها المواثيق الدولية، حتى لغة التهديد انتقلت إلى لغة تحذير، كما جاء في كلمة أبو عبيدة، التي طالب فيها المستوطنين بعدم التجمع في مناطق تطالها صواريخ المقاومة، وتحذير شركات الطيران العالمية من مخاطر السفر إلى مطار بن غوريون.
لقد بدا خطاب القسام أحرص على حياة المستوطنين من تصريحات قياداتهم العسكرية والسياسية، التي اتهموها بتضليلهم عندما طالبهم رئيس هيئة الأركان بيني غانتس بالعودة إلى مستوطنات غلاف غزة، دون أن يضمن عدم تعرضهم لخطر إطلاق الصواريخ، التي بقيت تطاردهم.