المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية
أميـــر بن محمـــد المــــــدري
إمام و خطيب مسجد الإيمان - اليمن - عمران
(134) فذكر بالقرآن من يخاف وعيد -3 - (135) فلينظر الإنسان مما خلق
(134) فذكر بالقرآن من يخاف وعيد -3
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
قصة إسلام عمر بن الخطاب:
خرج عمر رضي الله عنه يريد قتل رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلقيه نعيم بن عبد الله النحام، فقال: أين تريد يا عمر؟ فقال: أريد محمداً هذا الصابئ فأقتله. فقال له نعيم: لقد غرّتك نفسك يا عمر. أفلا ترجع إلى أختك فاطمة بنت الخطاب وزوجها، فقد والله أسلما واتبعا محمداً .
فرجع إلى أخته وهي تقرأ سورة (طه) فلما أخذ الصحيفة منها وقرأ صدراً من السورة قال: ما أحسن هذا الكلام و أكرمه ، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال: يا رسول الله جئتك لأومن بالله و برسوله و بما جاء من عند الله .
وهناك رواية أخرى في سبب إسلام عمر بن الخطاب خلاصتها: أن عمر أراد أن يطوف بالكعبة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي فقال عمر حين رآه، لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثياب الكعبة ما بيني وبينه إلا الثياب، فلما سمعت القرآن رقّ له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ سورة (الحآقة).
موقف النجاشي و أساقفته حين سمعوا القرآن :
طلب النجاشي من جعفر ابن أبي طالب رضي الله عنه أن يسمعه شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم عن الله ، فقرأ عليه صدراً من (كهيعص) فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلت لحاهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا فلا و الله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون . و كانت قريش قد أرسلت عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة قبل أن يسلما ليقنعا النجاشي بطرد مهاجرة الحبشة .
قراءة الأصمعي على أعرابي سورة الذاريات :
وعن الأصمعي قال : أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود له فقال: ممن الرجل ؟ قلت : من بني أصمع ، قال : من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، فقال: اتل علىّ فتلوت : ((و الذاريات)) فلما بلغت قوله تعالى : ((وفي السماء رزقكم)) قال حسبك، فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق فالتفت، فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلّم عليّ واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح، وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت: ((فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)) فصاح وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف، لم يصدقوه بقوله حتى ألجؤوه إلى اليمين قائلها ثلاثاً، وخرجت معها نفسه .
قصة توبة الفضيل بن عياض :
عن الفضل بن موسى قال: كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس وكان سبب توبته أنه عشق جاريةً فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تالياً يتلو: ((ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله)) فلما سمعها قال : بلى يا رب قد آن فرجع، فآواه الليل إلى خربةٍ فإذا بها سابلة . فقال بعضهم : نرحل ، و قال بعضهم حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا .
قال: ففكرت، وقلت أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هاهنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام
تأثير القرآن على الجن :
لقد تجاوز القرآن البشر في تأثيره إلى صنفٍ آخر من المخلوقات فلم تتمالك الجن عندما سمعته أن قالت: ((إنا سمعنا قرآناً عجباً، يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا)) [الجن: 1 - 2] .
و قال تعالى : ((وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق)) [الأحقاف: 29 - 30].
وقد ذكرنا آنفاً أن الجن ينفر من قراءة القرآن، والبيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان .
و صلى الله على نبي الهدى و الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.
(135) فلينظر الإنسان مما خلق
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
فإن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من الأرض أي مما تحويه وذلك قوله : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } طه/55 ، فخلقه من ترابها و هذا قوله تعالى : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب } آل عمران/59 .
وفي ذلك آيات في القرآن كثيرة .
ثم جبلت تربتها بالماء فكانت طيناً وفي ذلك يقول رب العالمين : { هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون } الأنعام/2 .
وفي ذلك أيضاً آيات كثيرة أيضاً .
وكان الطين لازباً - أي : لاصقاً ، وقيل : لزجاً - وفي هذا يقول تعالى : { إنا خلقناهم من طين لازب } الصافات/11 .
قال ابن منظور : ولَزِبَ الطينُ يَلْزُبُ لُزُوباً ، و لزُبَ : لَصِقَ وصَلُب َ، وفـي حديث علـيّ علـيه السلام : دخَـل بالبَلَّةِ حتـى لَزَبَتْ أَي لَصقتْ ولزمت ْ. وطينٌ لازبٌ أَي لازقٌ . قال الله تعالـى : من طِينٍ لازبٍ . " لسان العرب " 1/738 .
ثم صار هذا الطين اللازب منتناً فقال تعالى في ذلك : { ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون } الحجر/26 .
قال الرازي :
الحَمَأُ : بفتحتين والحَمَأةُ بسكون الميم الطين الأسود . " مختار الصحاح " ص/64 .
و قال في " لسان العرب " 1/61 :
حمأ : الـحَمْأَةُ ، و الـحَمَأُ : الطين الأَسود الـمُنتن ؛ و فـي التنزيل : { من حَمَإٍ مسنون } .
وقال في " لسان العرب " ( 13 / 227 ) :
الـمَسْنون : الـمُنْتِن ، وقوله تعالـى { مِن حَمَإٍ مَسْنُونٍ } : قال أَبو عمرو : أَي متغير منتن؛ وقال أَبو الهيثم : سُنَّ الـماءُ فهو مَسْنُون أَي : تغيَّر .
وحيث أن هذا الطين كان مخلوطاً بالرمل : فهذا هو الصلصال .
قال الرازي :
الصَّلْصالُ : الطين الحر خُلط بالرمل فصار يَتَصَلْصَلُ إذا جف ، فإذا طُبخ بالنار فهو الفخار. " مختار الصحاح " 1/154
وقال في " لسان العرب " ( 11 / 382 ) :
والصَّلْصالُ مِن الطِّين : ما لـم يُجْعَل خَزَفاً ، سُمِّي به لَتَصَلْصُله ؛ وكلُّ ما جَفَّ من طين أَو فَخَّار فقد صَلَّ صَلِـيلاً ، وطِينٌ صِلاَّل ومِصْلالٌ أَي يُصَوِّت كما يصوِّت الـخَزَفُ الـجديد .
ثم شبه الصلصال بالفخار وذلك قوله تعالى : { خلق الإنسان من صلصال كالفخار } الرحمن/14 .
وهذا كله يصدقه حديث أبي موسى الأشعري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب " . رواه الترمذي ( 2955 ) وأبو داود ( 4693 ) . والحديث : قال عنه الترمذي : حسن صحيح ، وصححه ابن حبان (14/29) والحاكم (2/288) والألباني في صحيح أبي داود 3926.
هذا خلق آدم عليه السلام : من الأرض - من ترابها - ، ثم جُبل بالماء فكان طيناً ثم صار طيناً أسود منتناً وكون ترابه من الأرض التي بعضها رمل لما جبل كان صلصالاً كالفخار .
ولذلك لما وصف الله خلق آدم في القرآن في كل مرة وصفه بأحد أطواره التي مرَّت بها طريقة خلقه وتكوينة طينته فلا تعارض في آيات القرآن .
ثم أصبح أبناء آدم بعد ذلك يتكاثرون وصار خلقهم من الماء وهو المني الذي يخرج من الرجال والنساء وهو معروف .
وهذا يبينه القرآن في قوله تعالى : { وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسبا وصهراً } النور/54 ، وقوله تعالى : { ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين } السجدة/8 .
قال ابن القيم رحمه الله :
لما اقتضى كمال الرب تعالى جل جلاله وقدرته التامة وعلمه المحيط ومشيئته النافذة وحكمته البالغة تنويع خلقه من المواد المتباينة وإنشاءهم من الصور المختلفة والتباين العظيم بينهم في المواد والصور والصفات والهيئات والأشكال والطبائع والقوى اقتضت حكمته أن أخذ من الأرض قبضة من التراب ثم ألقى عليها الماء فصارت مثل الحمأ المسنون ثم أرسل عليها الريح فجففها حتى صارت صلصالا كالفخار ثم قدر لها الأعضاء والمنافذ والأوصال والرطوبات وصورها فأبدع في تصويرها وأظهرها في أحسن الأشكال وفصلها أحسن تفصيل مع اتصال أجزائها وهيأ كل جزء منها لما يراد منه وقدَّره لما خلق له عن أبلغ الوجوه ففصَّلها في توصيلها وأبدع في تصويرها وتشكيلها …
- ثم ذكر تناسل الخلق بالجماع وإنزال المني - . " التبيان في أقسام القرآن " ( ص 204 ) . والله أعلم .
و صلى الله على نبي الهدى و الرحمة محمد صلى الله عليه و سلم .