الفوائد
للإمام الجليل شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب
الزرعي المعروف بابن القيّم
تحقيق
ماهر منصور عبد الرزاق كمال علي الجمل
مدرّس الحديث وعلومه مدرّس الحديث المساعد
جامعة الأزهر
[133] (قاعدة) الطلب لقاح الإيمان - [134] (قاعدة) موقفان للعبد بين يدي الله تعالى - [135] (قاعدة)
[133] (قاعدة) الطلب لقاح الإيمان
الطلب لقاح الإيمان, فإذا اجتمع الإيمان والطلب أثمرا العمل الصالح. وحسن الظن بالله لقاح الافتقار والاضطرار إليه , فإذا اجتمعا أثمرا إجابة الدعاء . والخشية لقاح المحبة, فإذا اجتمعا أثمرا امتثال الأوامر واجتناب المناهي . و الصبر لقاح اليقين, فإذا اجتمعا أورثا الإمامة في الدين , قال تعالى :{ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} السجدة24. وصحة الاقتداء بالرسول لقاح الإخلاص , فإذا اجتمعا أثمرا قبول العمل والاعتداد به .
و العمل لقاح العلم , فإذا اجتمعا كان الفلاح و السعادة , و إن انفرد أحدهما عن الآخر لم يفد شيئاً . و الحلم لقاح العلم , فإذا اجتمعا حصلت سيادة الدنيا و الآخرة حصل الانتفاع بعلم العالم, وان انفرد أحدهما عن صاحبه فات النفع و الانتفاع . و العزيمة لقاح البصيرة , فإذا اجتمعا نال صاحبهما خير الدنيا والآخرة و بلغت به همّته من العلياء كل مكان .
فتخلف الكمالات إما عن عدم البصيرة و إما عن عدم العزيمة .
و حسن القصد لقاح لصحة الذهن , فإذا فقدا فقد الخير كله و إذا اجتمعا أثمرا أنواع الخيرات . وصحة الرأي لقاح الشجاعة , فإذا اجتمعا كان النصر و الظفر , و إن فقدا فالخذلان و الخيبة , و إن وجد الرأي بلا شجاعة فالجبن و العجز , و إن حصلت الشجاعة بلا رأي فالتهوّر و العطب . و الصبر لقاح البصيرة , فإذا اجتمعا فالخير في اجتماعهما .
قال الحسن : إذا شئت أن ترى بصيرا لا صبر له رأيته , و إذا شئت أن ترى صابرا لا بصيرة له رأيته , فإذا رأيت صابرا بصيرا فذاك .
و النصيحة لقاح العقل , فكلما قويت النصيحة قوي العقل واستنار . و التذكّر و التفكّر كل منهما لقاح الآخر, إذا اجتمعا أنتجا الزهد في الدنيا و الرغبة في الآخرة . و التقوى لقاح التوكل , فإذا اجتمعا استقام القلب . و لقاح أخذ الهبة الاستعداد لقصر الأمل , فإذا اجتمعا فالخير كله في اجتماعهما و الشر في فرقتهما . و لقاح الهمّة العالية النيّة الصحيحة , فإذا اجتمعا بلغ العبد غاية المراد .
[134] (قاعدة) موقفان للعبد بين يدي الله تعالى
للعبد بين يدي الله موقفان : موقف بين يديه في الصلاة , و موقف بين يديه يوم لقائه . فمن قام بحق الموقف الأول هوّن عليه الموقف الآخر , و من استهان بهذا الموقف و لم يوفّه حقّه , شدّد عليه ذلك الموقف . قال تعالى : { و من الليل فاسجد له و سبحه ليلا طويلا . إنّ هؤلاء يحبّون العاجلة و يذرون وراءهم يوما ثقيلا} الإنسان 26_27.
[135] (قاعدة)
قاعدة اللذة من حيث هي مطلوبة للإنسان بل و لكل حي فلا تذم من جهة كونها لذة و إنما تذم و يكون تركها خيرا من نيلها وانفع إذا تضمنت فوات لذة أعظم منها وأكمل أو أعقبت ألما حصوله أعظم من ألم فواتها فههنا يظهر الفرق بين العاقل الفطن و الأحمق الجاهل ضمن عرف العقل بين فمتى علاف التفاوت بين اللذتين و الألمين و أنه لا نسبة لأحدهما إلى الآخر هان عليه ترك أدنى اللذتين لتحصيل أعلاهما واحتمال أيسر الألمين لدفع أعلاهما و إذا تقررت هذه القاعدة فلذة الآخرة أعظم و أدوم ولذة الدنيا أصغر و اقصر وكذلك ألم الآخرة و ألم الدنيا و المعول في ذلك على الإيمان و اليقين فإذا قوى اليقين و باشر القلب آثر الأعلى على الأدنى في جانب اللذة واحتمل الألم الأسهل على الأصعب والله المستعان .