الجمعة، 31 يناير 2014

(¯`*•أهـل الشام•*´¯) المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية -(60) يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله - (61) يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ... الآية - (62) يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا....الآية

 

 

 

 

المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية

 

 

أميـــر بن محمـــد المــــــدري

إمام و خطيب مسجد الإيمان - اليمن - عمران

 

 

(60) يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله -  (61)  يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ... الآية - (62) يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا....الآية

 

 

 

(60) يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله

 

 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

قال الله تعالى ((يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم)) الحجرات 1.

نداء من الله للذين آمنوا به بالغيب . و استجاشة لقلوبهم بالصفة التي تربطهم به , وتشعرهم بأنهم له , وأنهم يحملون شارته , وأنهم في هذا الكوكب عبيده وجنوده , وأنهم هنا لأمر يقدره ويريده , وأنه حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم اختيارا لهم ومنة عليهم , فأولى لهم أن يقفوا حيث أراد لهم أن يكونوا , وأن يقفوا بين يدي الله موقف المنتظر لقضائه وتوجيهه في نفسه وفي غيره , يفعل ما يؤمر ويرضى بما يقسم , ويسلم ويستسلم:

( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله , واتقوا الله إن الله سميع عليم ) .

يا أيها الذين آمنوا , لا تقترحوا على الله ورسوله اقتراحا , لا في خاصة أنفسكم , ولا في أمور الحياة من حولكم . ولا تقولوا في أمر قبل قول الله فيه على لسان رسوله , ولا تقضوا في أمر لا ترجعون فيه إلى قول الله وقول رسوله .

وقد قرن الله عزّ وجل في هذه الآية نفسه برسوله عليه الصلاة والسلام  ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ الوحيد عن ربه ، ونبّه المؤمن إلى أنه دائماً في حضرة ربه (( وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير)) الحديد 4  ، وعليه احترام الرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد لأوامره ؛ لأن ذلك من صميم تقوى الله وهذه التقوى تقتضي الالتزام بأمور منها :

عدم تقديم رأيه على أوامر الله ورسوله في الكتاب والسنة ، فلا يقول ولا يقضي في الدين بخلاف ما تنص عليه الشريعة ، ولا يجعل لنفسه تقدما على الله ورسوله في المحبة والولاء ، بل يكون رأيه تبعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه والسلام ، وتكون محبته وولاؤه لله ورسوله أقوى وأشد من محبته وولائه لنفسه وأهوائه ومصالحه، ولا يفتات على الله شيئاً أو يقطع أمراً حتى يحكم الله فيه ، ويأذن به على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام .

روى أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه - بإسناده - عن معاذ - رضي الله عنه - حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن:" بم تحكم ? " قال:بكتاب الله تعالى . قال صلى الله عليه وسلم فإن لم تجد ? " قال:بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم:" فإن لم تجد ? " قال - رضي الله عنه -:أجتهد رأيي . فضرب في صدره وقال " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضي رسول الله " .

وحتى لكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألهم عن اليوم الذي هم فيه , والمكان الذي هم فيه , وهم يعلمونه حق العلم , فيتحرجون أن يجيبوا إلا بقولهم:الله ورسوله أعلم . خشية أن يكون في قولهم تقدم بين يدي الله ورسوله !

جاء في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في حجة الوداع:

"أي شهر هذا ? " . . قلنا:الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال:" أليس ذا الحجة ? " قلنا بلى ! قال:" أي بلد هذا ? " قلنا:الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال:" أليس البلدة الحرام ? " قلنا:بلى ! قال:" فأي يوم هذا ? " قلنا:الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال:أليس يوم النحر ? قلنا بلى ! . . الخ .

فهذه صورة من الأدب , ومن التحرج , ومن التقوى , التي انتهى إليها المسلمون بعد سماعهم ذلك النداء , وذلك التوجيه , وتلك الإشارة إلى التقوى , تقوى الله السميع العليم

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .

 

( 61 )  يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ... الآية

 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

قال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون)) الحجرات 2 .

وقد نهى الله تعالى في هذه الآية عن ثلاثة أمور :

-        عن التقدم بين يديه صلى الله عليه وسلم بما لا يأذن به من الكلام والآراء والأحكام

-        عن رفع الصوت بحضرته .

-        عن الجفاء في مخاطبته ومحاورته .

كما أمر بتعظيمه صلى الله عليه وسلم ، وتوقيره وخفض الصوت بحضرته وعند مخاطبته، والتزام توجيهاته وأوامره  . وبما أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم حيا كحرمته ميتا ، وكلامه المسموع منه مباشرة ككلامه المروي عنه بعد موته في الرفعة والإلزام ، فقد وجب على كل من يسمع حديثه وسنته وهديه ألا يرفع صوته عليه أو يعرض عنه ؛ لأن رفع الصوت والجهر به في حضرته صلى الله عليه وسلم أو عند تلاوة سنته دليل على قلة الاحتشام وترك الاحترام ، ثم عقب سبحانه على هذا التوجيه بقوله (( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم )) الحجرات 3

أي أنهم صُبُرٌ على التقوى مجربون لها ومدربون عليها ، وأقوياء على تحمل مشاقها ؛ فحكم بذلك بالإخلاص والإيمان والتقوى للمؤمنين الذين يتصفون بالمحبة لله ورسوله والولاء لهما،  وتقديم أحكام الشرع على آرائهم وأهوائهم ومصالحهم ، والاحترام لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيا وميتا وغض الصوت بحضرته أو عند سماع سنته

وقد قال أبو بكر رضي الله عنه عندما نزلت هذه الآية : " لا أكلمك يا رسول الله إلا السرار حتى ألقى الله " ، كما كان إذا قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم قوم أرسل إليهم من يعلمهم كيف يسلمون ويأمرهم بالسكينة والوقار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم  .

ويستنبط الفقهاء بالقياس من هذا التوجيه القرآني وجوب احترام الوالدين والعلماء وذوي السابقة في الدعوة والجهاد وكبار السن ، والرفق بهم وعدم رفع الصوت بين أيديهم ، والاستحياء بحضرتهم ، مما تؤكده نصوص كثيرة لا يتسع المجال لها حاليا .

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً

 

 

(62) يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا....الاية

 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

قال تعالى (( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)) الحجرات 6.

وبما أن الفسقة أولياء للشيطان ، والشيطان عدو للمؤمن الصادق ؛ فإن همّ الشيطان وأوليائه الفسقة دائما هو إيقاع الفتنة بين المؤمنين ، وتمزيق صفهم بنقل الأخبار الكاذبة والملفقة ، والأضاليل المخترعة. فإذا كان الناقل فاسقا وجب التثبت والتبين والبحث عن الحقيقة في الأمر . وينطبق هذا التوجيه الرباني أيضا على الأنباء والتحاليل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنشرها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة التي يشرف عليها فساق الأمة أو أعداؤها ؛ لأن غاية هؤلاء في الأصل فتنة الأمة وإضعافها وإفساد أحوالها .

وبما أن نتيجة الثقة في الفساق ونقولهم وأخبارهم غالبا ما تكون الفتنة والتقاتل بين المؤمنين ، فقد عقب سبحانه على ذلك بالإرشاد إلى كيفية التغلب على هذه الفتنة بقوله :

(( واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون )) الحجرات 7  وفيها تذكير بأن النجاة من الفتن في إتباع سنته وهديه وعدم عصيان أوامره ونواهيه صلى الله عليه وسلم حيا وميتا . ومرد ذلك إلى تمسك القلب بالإيمان الذي هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان ، ونفوره وكراهيته للكفر والفسوق والعصيان ، وكل ذلك نعمة من الله وفضل . ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يثبته على الدين ، وأن يجدد الإيمان في قلبه .

واختيار الله لفريق من عباده , ليشرح صدورهم للإيمان , ويحرك قلوبهم إليه , ويزينه لهم فتهفو إليه أرواحهم , وتدرك ما فيه من جمال وخير . . هذا الاختيار فضل من الله ونعمة , دونها كل فضل وكل نعمة . حتى نعمة الوجود والحياة أصلا , تبدو في حقيقتها أقل من نعمة الإيمان وأدنى

ثم ضرب سبحانه وتعالى لهذه الفتن مثلا فيما يقع بين المؤمنين من تخاصم وتقاتل ، فقال  : (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين )) الحجرات 9  ثم أكد القاعدة الأصل والوشيجة المتينة في الصف المؤمن ، التي هي الأخوة في الله فقال ((إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم )) الحجرات 10  ، وهو ما بينته السنة النبوية في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ) (( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ))-(( المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص وشبك بين أصابعـه )) (( منـزلة المؤمن من المؤمن منـزلة الرأس من الجسد ، متى اشتكى الجسد اشتكى له الرأس ومتى ما اشتكى الرأس اشتكى سائر الجسد)). وقد أورد أبو داود في كتاب الأدب ما روي عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أنه قال : ((ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته ، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته ))- الحديث رقم 4884 .

ثم قرن الصلح بين المؤمنين المتخاصمين بالتقوى وجعله مدعاة لنـزول الرحمة عليهم بقوله تعالى : ((واتقوا الله لعلكم ترحمون )) الحجرات 10  ، لأن الميل للصلح وإيثاره ، انبثاق فطري من التقوى ، والتقوى هي القناة الغيبية التي تنـزل منها الرحمة .

 

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً .