الأربعاء، 1 يناير 2014

(¯`*•أهـل الشام•*´¯) المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية - (29) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ .. الآية - (30) ((وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ )) .. الآية - (31) أ

 

 

 

 

المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية

 

 

 

أميـــر بن محمـــد المــــــدري

إمام و خطيب مسجد الإيمان - اليمن – عمران

 


 

 (29) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ .. الآية - (30) ((وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ )) .. الآية - (31) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً

 

 

(29) وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ .. الآية

 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد : يقول تعالى

((وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ)) وقد كان بعضُ المشركين من العَرَب يقتلون البناتِ خوفَ العار، وبعضهم يقتُل الولدَ خوفَ الإملاقِ وهو الفقر، فنهى اللهُ عن هذه العادةِ الشنيعة، وأخبر أنه تعالى متكفِّل برزقِ الأولاد والآباء .

ومما يدخُل في عمومِ الآية إسقاطُ الجنين خوفًا من النفَقة ، وممّا يُنهَى عنه استعمالُ حبوب منع الحمل لأجل ضِيق المعيشة، لكن لو كان هناك ضرورةٌ شرعيّة جاز استعمالُ منعِ حبوب الحمل بمقدارِ هذه الضرورة، كما لو كانت المرأةُ لا تُطيق الحملَ والرضاع لسببٍ ما، أو كان تتابُع الحملِ بلا مدَّةٍ زمنيّة كافية يضرُّها أو يضرّ الولد .

((وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ))، والفواحشُ ما عظُم قبحُه وخُبثت حقيقتُه في العقلِ والفِطرة واتّفقتِ الشرائعُ على تحريمه، وقد نصّ الله تعالى على فُحشِ معاصٍ بعينها، قال الله تعالى: ((وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً)) الإسراء:32، وقال تعالى: ((وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ)) العنكبوت:28،

وفي الحديثِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((ملعونٌ من عَمِل عملَ قومِ لوط، ملعون من عمِل عَمل قوم لوط، مَعلونٌ مَن عمل عمل قومِ لوط)) في صحيح الترغيب (2420) .

والفواحشُ أعمُّ من ذلك، فهي المعاصي كلُّها، والنهيُ عن قربانها أبلغُ من النهيِ عن فِعلها، فالنهي عن قُرب المعصية نهيٌ عن أسبابها ومقدِّماتها والوسائل التي تُفضي إليها، ونهيٌ عن تلذُّد الخيال بتصوُّرها والاسترسال في الوَسواس بها؛ لأنَّ النفسَ البشرية قد تضعُف عن مقاومة الإغراء بعد التمكُّن من مقدِّماتِ وأسباب المعصية، ولذلك حرَّم الشرعُ الخلوةَ بالأجنبية والمردان و محادثةِ النساء .

وقوله تعالى: ((مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)) أي: حرَّم الله ما أُعلِن وما أسِرَّ من المعاصي، ما هو من أعمال الجوارح المشاهدَة وما هو من أعمال القلوبِ المخبَّأة المستُورةِ كالكِبر والحسَد والغلّ والخيانة والمَكر والخديعة والنِّفاق وبُغض ما أحبَّ الله وحُبِّ ما يكره الله تعالى.

((وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ))، والنفسُ التي حرَّم الله قتلَها هي نفسُ المسلِم، ونفسُ المعاهَد الكافر الذي له أمانٌ من الإمام، والكافر غيرُ المحارب وإن لم يكن له أمان فيحرُم قتلُه ، وفي الصحيحين عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لا يحلّ دمُ امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفسُ بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وفي الحديث: ((مَن قتل معاهَدًا لم يرح رائحة الجنة)) أخرجه البخاري  عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. وفي الحديث أيضًا: ((لا يزال المسلمُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يصِب دمًا حرامًا فإذا أصابه بَلَح)) أي: أعيَى وانقطع وضاقَ عليه الأمر جدًّا .

((ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ)): عهِد إليكم بما تُلِي عليكم وأمَركم به لتحفظُوه وتعملُوا به .

((لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) أي: تعقِلون النافعَ من الضارّ، فتعمَلون بما ينفع، وتتركون ما يضرّ. والحِكمة في قوله تعالى: ((لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)) أنَّ مضارّ هذه المحرَّمات ومفاسدَها يُعلَم بالعَقل لمن تدبَّر ذلك، و الشرع بيَّن تفصيلَ مفاسِد ومضارّ هذه المحرّمات، فمن منعه عقلُه عن هذه المحرَّمات فهو العاقلُ حقًّا، ومن لم يمنعه عقلُه عن هذه المحرَّمات فهو السفيهُ الذي لا عقلَ له، فأيُّ قبحٍ وجُرم أعظمُ من الشّرك بالله تعالى ثمّ عقوق الوالدين وعمل الفواحش وقتلِ النفس التي حرَّم الله؟!

والآية الثانية تقرِّر التراحمَ والتعاونَ والتكافُل الاجتماعيّ بين المسلمين والحُنوَّ والرِّعاية للضعفاء والقاصرين، وتحرِّم بخسَ الحقوقِ وانتقاصها، وتقرِّر الوفاءَ في المعاملات والعدلَ في المبادلات و المعاوَضات بلا طُغيانٍ بالزيادة و لا بخسٍ بالنَّقص، و تحرِّم الجَورَ والظلم في الحكم و الشهادة و القول و لو كان على الحبيب و البغيض ، و تأمُر بالعدل والقسط . و صلى الله على محمد وعلى آله و صحبه و سلم تسليما كثيراً .

 

(30) ((وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ )).. الآية

 

الحمد لله ، والصلاة و السلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، و بعد :

أيها المسلمون ! لا زلنا وإياكم في ضلال وصايا القران

((وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)) أي: لا تقربوا مالَ اليتيم إلاَّ بالصِّفة التي هي خيرٌ له، فلا تقرَبوا ماله إلاَّ بالحِفظ لمالِه وتثميرِه والعمل على نمائه، فلا تأكلوه، ولا تتركوه يتعرَّض للضياع والنقصان. ووجوبُ تربيةِ اليتيم وإرشاده ورعايته من باب أولى، ليصبحَ لبِنةً صالحة في بناءِ المجتمع، ومعنى ((حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)) أي: حتى يبلغَ الحلم مع الرّشد وحسنِ التصرُّف، فيُدفَع إليه ماله حينئذٍ .

((وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ)) أي: وحرَّم بخسَ الحقوق وعدمَ الوفاء بالمعاملات. ((وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ)) أي: بالعدل والحقِّ بلا نَقص، ومثل هذا المقاييس .

((لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)) أي: طاقتَها، فمِن رحمة الله تعالى أنَّه لا يأمرُ ولا ينهي إلا بما هو مقدورٌ عليه .

((وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا)) أي: إذا حكمتُم أو إذا شهِدتم أو دخلتُم بين متنازعِين بالإصلاح أو إذا مَدَحتم أو قدَحتم لغرضٍ شرعيّ فاعدِلوا، الزَموا الحقَّ والقسطَ في ذلك، ولو كان المحكومُ له أو المشهودُ له أو المشهودُ عليه أو المصلَح له أو الممدوح أو المقدوح فيه ذا قربَى، ومثلُه في هذا البعيد أو البغيض .

((وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا))، عهدُ الله أمرُه ونهيُه وتشريعه، قال الله تعالى لبني إسرائيل: ((وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)) البقرة:40 ويتناولُ عهدُ الله ما يكون بين طرفين من العقودِ والعهود المشروعة المباحة، وأضِيفت العهود إلى الله لأنَّ اللهَ أمر بالوفاء بها .

((ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)). والحكمةُ في قوله تعالى: ((لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)) أنّ هذه الوصايا إذا غفل أحدٌ عن رعايتها و حياطتها ارتكب محرَّمَها عاقلاً أو غيرَ عاقل، فإذا تذكَّر وجوبَ حفظها ورعايتها قام بهذه الوصايا .

((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))،. والصراطُ المستقيم هو الإسلام كلُّه، والحكمةُ في كلمة ((تَتَّقُونَ)) أنَّ الثباتَ على الصراط المستقيم لا يكون إلاَّ للمتقين .

وكلُّ آيةٍ من هؤلاء الآيات الثلاث في الوصايا عليها شواهدُ من القرآن والحديث لو ذُكِرت لطال الكلام، قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (مَن أراد أن ينظرَ إلى وصيَّة محمّد صلى الله عليه وسلم التي عليها خاتَمه فليقرأ هؤلاء الآيات) . أورده الألباني في ضعيف سنن الترمذي (593) .

الله أكبر، الله أكبر، ما أعظمَه من موصٍ، وأما عظمَها من وصيّة، وما أسعدَ من قام بهذه الوصية .

أوّلُ هذا الصراطِ المستقيم في الدنيا ونهايته الجنّة، والعدولُ عن الصراط المستقيم بالشّهوات والدُّنيا أو بالبدعة أو الكفر والنفاق بدايتُه في الدنيا ونهايته جهنَّم، فيتردَّى في الدنيا في شهواتِه وشقائه، وفي القبر في ظلمَته وعذابه، وفي الحشر في جهنَّم. ولو أنَّ كلَّ مسلم عمِل بهذه الوصايا لكان الله معه، ولوُفِّق لأَرشدِ أموره، لأحسنَ إلى نفسه غايةَ الإحسان، ولأحسنَ إلى الخلقِ وسلِم الناس من شرِّه، قال الله تعالى: ((وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)) المائدة: 92.

وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً

 

(31) أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً

 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :

يقول سبحانه: ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ)) المؤمنون:115-116. ويقول سبحانه: ((تَبَارَكَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدِيرٌ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَ ٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ)) الملك:1-2

وأخرج الإمام الترمذي ومسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((بادروا بالأعمال الصالحة فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)) .

إخوة الإسلام وأحباب الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم :

ما الهدف و الغاية من وجودنا ؟ لم خلقنا - - ولم أوجدنا في هذه الحياة؟! هل خلقنا لنأكل ونشرب ونلبس! أم وجدنا لنجمع الأموال الوفيرة والكنوز والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث! أم الهدف والغاية من وجودنا وخلقنا أن نتمتع بزخرف هذه الحياة وزينتها !!

لا والله - - ما خلقنا في هذه الدنيا عبثاً ولم نترك فيها سدى. ((أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى  أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مَّنِىّ يُمْنَىٰ  ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ  فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ  أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِىَ ٱلْمَوْتَىٰ)) القيامة:36-40.

لقد خلقنا والله لمهمة عظيمة وغاية جليلة، تبرأت منها السموات والأرض والجبال وأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الإنسان ، لقد خلقنا لتوحيد الله الواحد الأحد وإفراده بالعبادة سبحانه و تعالى، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة و الباطنة ، ((وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ)) الذاريات:56-58

أحد السلف يمر على صبية صغار يلعبون، وبينهم طفل صغير يبكي، فيظن الرجل أن هذا الطفل يبكي لأنه ليس له لعبة كما لهم لعب، فقال له: يا بني أتريد أن أشتري لك لعبة؟ قال: ما لهذا أبكي يا قليل العقل، إنما أبكي لأن هؤلاء يفعلون غير ما خلقوا له، أولم يسمعوا قول الله وهو يوبخ أهل النار: ((أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـٰكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ ٱلْمَلِكُ ٱلْحَقُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْكَرِيمِ)) المؤمنون:115-116 فدهش الرجل من إجابة هذا الطفل الصغير وقال له: يا بني إنك لذو لب لذو عقل، وإن كنت صغيراً فعظني، فقال له الطفل بيتاً واحداً:

فما الدنيا بباقية لحي         وما حيٌ على الدنيا بباق

فرضي الله عنكم أيها السلف يوم علمتم أن هذه الحياة بسنينها وأعوامها ينبغي أن تصرف في طاعة الله، ويوم علمتم أن هذه الحياة ليست حياة أكل وشرب وجماع وإنما حياة عبودية وتذلل وطاعة لله الواحد الأحد، والله - يا إخواني - إننا لفي غفلة عما خلقنا لأجله، وإن قلوبنا في قسوة لا يعلم بها إلا الله، وإننا بحاجة للتفكير بهذه القضية الكبرى في كل أسبوع بل في كل يوم وفي كل لحظة، فحاجتنا إليها أعظم من حاجتنا إلى الأكل والشراب والهواء، وأعظم من حاجتنا إلى النوم والجماع واللباس .

فــزاد الـروح أرواح المعانـي    و ليس بأن طعمت ولا شربت

فأكثر ذكـره فـي الأرض دأبـاً      لتذكر في السماء إذا ذكـرت

يا متعب الجسم كم تشقى لراحتـه أتعبت جسمك فيما فيه خسران

أقبل على الروح واستكمل فضائلها           فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

يا عامراً لخـراب الـدار مجتهداً            بالله هل لخراب الدار عمران

مسكين هذا الإنسان، حقير هذا الإنسان، أتى من ماء، أتى من نطفة، أتى من عالم العدم، فلما مشى على الأرض تكبر وتجبر، ونسي الله الواحد. بصق الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً في كفه فوضع عليها إصبعه، ثم قال: ((قال الله عز وجل: ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك و عدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي ، قلت: أتصدق!! وأنى أوان الصدقة)) .

يوم تنصب الموازين فيقول الله: يا آدم أخرج بعث النار من ذريتك، فيقول آدم: ما بعث النار؟ فيقول الله: من كل ألف تسعمائة وتسع و تسعين، عندها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد .

أما والله لو علم الأنــام      لما خلقوا لما هجعوا وناموا

لقد خلقوا ليـوم لو رأتـه     عيون قلوبهم ساحوا وهاموا

ممات ثم حشـر ثم نشـر     وتوبيـخ وأهـوالٌ عظـام

ليوم الحشر قد عملت أناس فصلوا من مخافته وصـاموا

ونحن إذا أمـرنا أو نهينـا    كأهـل الكهف أيقـاظ نيـام