أحداث تاريخية هامة وقصص واقعية عن نهاية الظلم
أخرجها و اعتنى بها :
عبد الحميد بن عبد الرحمن السحيباني
بسم الله الرحمن الرحيم
(13) نهايةُ الخليفة الأمويّ الوليد بن يزيد بن عبد الملك - الجزء الأول
ترجمته :
هو الوليد بن يزيد عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو العبَّاس الأمويّ الدمشقيّ؛ بويع له بالخلافة بعد عمِّه هشام بن عبد الملك يوم الأربعاء لستٍّ خَلَوْنَ من ربيع الآخر سنة 125هـ ، وأمُّه أمُّ الحجَّاج بنت محمد بن يوسف الثَّقَفيّ ، و كان مولدُه سنة تسعين ، و قيل ثنتين وتسعين، و قيل سبع وثمانين ، و قتل يوم الخميس لليلتين بقيتا في جمادى الآخرة سنةَ ستٍّ وعشرين و مائة ، و وقعت بسبب ذلك فتنة عظيمة بين الناس بسبب قتله، ومع ذلك إنَّما قُتل لفسقه ، و قيل : و زندقته .
و قد قال الإمامُ أحمد : حدَّثنا أبو المغيرة ، ثنا ابن عيَّاش ، حدَّثَني الأوزاعيُّ وغيرُه عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن عمرو بن الخطَّاب قال: ولد لأخي أم سلمة زوج النَّبيِّ r غلام فسمَّوه الوليد، فقال النبيُّ r: «سميتموه باسم فراعينكم، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، لهو أشد فسادا لهذه الأمة من فرعون لقومه». قال الحافظ ابن عساكر: وقد رواه الوليد بن مسلم ومعقل بن زياد محمد بن كثير وبشر بن بكر عن الأوزاعيِّ فلم يذكروا عمر في إسناده وأرسلوه ، و لم يذكر ابن كثير سعيد بن المسيَّب ، ثم ساق طرقه هذه كلَّها بأسانيدها و ألفاظها .
وحكي عن البيهقيِّ أنَّه قال : هو مرسَلٌ حسنٌ، ثم ساق من طريق محمد عن محمد بن عمر بن عطاء عن زينب بنت أمِّ سلمة عن أمِّها قالت: "دخل النبيُّ r وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد، فقال: «من هذا يا أمَّ سلمة؟» قالت: هذا الوليد. فقال النَّبيُّ r: «قد اتَّخذتم الوليد خناناً- حساناً- غَيِّروا اسمَه؛ فإنَّه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له الوليد». وروى ابنُ عساكر من حديث عبد الله بن محمد بن مسلم، ثنا محمد بن غالب الأنطاكيّ، ثنا محمد بن سليمان بن أبي داود، ثنا صدقة، عن هشام بن الغاز، عن مكحول ، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة بن الجراح ، عن النبيِّ r قال : «لا يزال هذا الأمر قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية » .
نهايةُ و زوالُ دَوْلَته :
كان هذا الرجلُ مجاهراً بالفواحش مُصرًّا عليها، منتهكاً محارمَ الله– عزَّ وجلَّ- لا يتحاشى من معصية، وربَّما اتَّهمه بعضُهم بالزَّندقة والانحلال من الدِّين، فالله أعلم؛ لكن الذي يظهر أنَّه كان عاصياً شاعراً ماجناً متعاطياً للمعاصي، لا يتحاشاها من أحد، ولا يستحيي من أحد، قبل أن يلي الخلافة وبعد أن ولي .
وقد روي أنَّ أخاه سليمان كان من جملة مَن سعى في قتله، قال: أشهد أنَّه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً، ولقد أرادني على نفسي الفاسق، وحكى المعافي بن زكريا عن ابن دريد عن أبي حاتم عن النَّبيِّ أنَّ الوليدَ بن يزيد نَظَرَ إلى نصرانيَّة من حسان نساء النَّصارى اسمها سفري فأحبَّها، فبعث يراودها عن نفسها فأبت عليه، فألحَّ عليها وعشقها فلم تطاوعه، فاتَّفق اجتماع النصارى في بعض كنائسهم لعيد لهم، فذهب الوليد إلى بستان هناك فتنكَّر وأظهر أنه مصاب، فخرج النساء من الكنيسة إلى ذلك البستان، فرأينه فأحدقن به، فجعل يكلِّم سفري ويحادثها وتضاحكه ولا تعرفه، حتى اشتفى من النظر إليها، فلما انصرفت قيل لها: ويحكم، أتدرين مَنْ هذا الرَّجل؟ فقالت: لا! فقيل لها: هو الوليد. فلما تحقَّقَتْ ذلك حنَّت عليه بعد ذلك، وكانت عليه أحرص منه عليها قبل أن تحنَّ عليه. فقال الوليد في ذلك أبياتاً:
أضحك فؤادك يا وليد عميدا |
| |
| صبا قديما للحسان صيودا ([1]) | |
في حب واضحة العوارض طفلة([2]) |
| |
| برزت لنا نحو الكنيسة عيدا | |
عود الصليب فويح نفسي من رأى |
| |
| منكم صليبا مثله معبودا | |
فسألت ربي أن أكون مكانه |
| |
| وأكون في لهب الجحيم وقودا | |
و قال فيها أيضا لما ظهر أمره وعلم بحاله الناس . و قيل : إنَّ هذا وقع قبل أن يلي الخلافة :
ألا حبذا سفري و إن قيل إنني |
| |
| كلفت بنصرانية تشرب الخمرا | |
يهون علينا أن تظل نهارنا |
| |
| إلى الليل لا ظهرا تصلي ولا عصرا | |
قال القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا الجريري المعروف بابن طرار النهزواني بعد إيراده هذه الأشياء : للوليد في نحو هذا من الخلاعة و المجون وسخافة الدين ما يطول ذكره ، و قد ناقضاه في أشياء من منظوم شعره المتضمِّن ركيكَ ضلاله و كفره .
وروى ابن عساكر بسنده أنَّ الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه ، فلما انصرف أمر للخمَّار بخمسمائة دينار، وقال القاضي أبو الفرج : أخبار الوليد كثيرة قد جمعها الأخباريُّون مجموعةً و مفردةً ، و قد جمعت شيئاً من سيرته و أخباره ، و من شعره الذي ضمنه ما فجر به من جرأته و سفاهته وحمقه و هزله ومجونه و سخافة دينه ، و ما صرَّح به من الإلحاد في القرآن العزيز، والكفر بمن أنزله وأُنْزل عليه ، و قد عارضتُ شعرَه السَّخيفَ بشعر حصيف([3])، و باطله بحق نبيه شريف ، و ترجيت رضاء الله عز وجل و استيجاب مغفرته .
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان، قال: أراد الوليدُ بن يزيد الحجَّ وقال: أشرب فوقَ ظهر الكعبة الخمر. فهمُّوا أن يَفْتكوا به إذا خرج، فجاؤوا إلى خالد بن عبد الله القسريّ فسألوه أن يكون معهم فأبى، فقالوا له: فاكتم علينا، فقال: أما هذا فنعم. فجاء إلى الوليد فقال: لا تخرج؛ فإني أخاف عليك. فقال: ومن هؤلاء الذين تخافهم عليَّ؟ قال: لا أخبرك بهم. قال: إن لم تخبرني بهم بعثتُ بك إلى يوسف بن عمر. قال: وإن بعثتَ بي إلى يوسف بن عمر. فبعثه إلى يوسف فعاقبه حتى قتله .
وذكر ابنُ جرير أنَّه لما امتنع أن يعلمه بهم سجنه ثم سلَّمه إلى يوسف بن عمر يستخلص منه أموالَ العراق فقتله ، وقد قيل : إنَّ يوسفَ لما وفد إلى الوليد اشترى منه خالد بن عبد الله القسري بخمسين ألف ألف يخلصها منه، فما زال يعاقبه ويستخلص منه حتى قتله ، فغضب أهل اليمن من قتله، وخرجوا على الوليد .
قال الزُّبيرُ بن بكَّار : حدَّثنا مصعبُ بن عبد الله قال: سمعت أبي يقول : كنت عند المهدي، فذكر الوليد بن يزيد فقال رجل في المجلس: كان زنديقاً. فقال المهديُّ: خلافة الله عنده أجلُّ من أن يجعلها في زنديق . وقال أحمد بن عمير بن حوصاء الدِّمَشْقيّ : ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا حصين بن الوليد عن الأزهريّ بن الوليد قال: سمعت أمَّ الدرداء تقول: إذا قتل الخليفة الشّاب من بني أمية بين الشّام والعراق مظلوماً لم يزل طاعة مستخفًّا بها ودماً مسفوكاً على وجه الأرض بغير حقٍّ .