الاثنين، 10 أكتوبر 2011

[zmn1.com] الدرس الأول : المواقيت



  مـسـك العـتـيـبـي صوت بنت الـهيـلا 

 
الدرس الأول : مواقيت الحج
 

الحج هو أحد أركان الإسلام ؛ وهو واجب بنص الكتاب والسنة وبإجماع العلماء :

فأما الكتاب فلقوله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }[آل عمران:97 ]

وأما السنة : فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث جبريل : «الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً » متفق عليه . وفي الصحيحين أيضاً من حديث عبدالله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ) .

وأما الإجماع : فقد أجمع المسلمون على وجوب الحج وأنه ركن من أركان الإسلام .

وللحج أركان وواجبات وسنن سيأتي تفصيلها بأدلتها إن شاء الله تعالى .

المواقيت

المواقيت: جمع ميقات. والمواقيت نوعان :

النوع الأول : المواقيت الزمانية : وهي أشهرالحج لقول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ} [سورة البقرة : 197 ]، وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [سورة البقرة : 189 ]. وتبدأ من أول شهر شوال بإجماع العلماء. ابتداء من مغيب شمس آخر يوم من رمضان وهي أول ليلة من شوال .

وآخر مواقيت الحج الزمانية هو العاشر من ذي الحجة , وقال بعض أهل العلم شهر ذي الحجة كاملاً . والصحيح الأول , قال سماحة الإمام عبدالعزيز بن باز يرحمه الله تعالى في بيان معنى الآية الأولى : ( ومعنى الآية : أن الحج يُهل به في أشهر معلومات وهي: شوال وذو القعدة والعشر الأولى من ذي الحجة هذه هي الأشهر. هذا هو المراد بالآية وسماها الله أشهراً ؛ لأن قاعدة العرب إذا ضموا بعض الثالث إلى الاثنين، أطلقوا عليها اسم الجمع ) . [1]

ويؤيد هذا القول : أن الحج لا يصح إلا عند القيام بأركانه , وأحد أركان الحج هو الوقوف بعرفة , فإذا فات الحاج الوقوف بعرفة لم يصح حجه , ويوم عرفة كما هو معلوم هو يوم التاسع من ذي الحجة فكان الصحيح أن الإهلال بالحج لا يصح تأخيره عن ذلك اليوم , ومن أهل بالحج بعد يوم عرفة فقد فاته الوقوف بها , وإذا كان كذلك فلا يصح حجه . وسيأتي التفصيل في ذلك عند الحديث عن صفة الحج إن شاء الله تعالى .

النوع الثاني : المواقيت المكانية : وهي أماكن حددها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ويجب على المسلم الذي يريد الحج أو العمرة ألا يتجاوزها إلا وهو محرم تعظيماً من لحرمة بيت الله الحرام .

الأحاديث :

الحديث الأول : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ : ذَا الْحُلَيْفَةِ . وَلأَهْلِ الشَّامِ : الْجُحْفَةَ . وَلأَهْلِ نَجْدٍ : قَرْنَ الْمَنَازِلِ . وَلأَهْلِ الْيَمَنِ : يَلَمْلَمَ . هُنَّ لَهُنّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ , مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ . وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ : فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ , حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ . متفق عليه

الحديث الثاني : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَـالَ : يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ , وَأَهْلُ الشَّامِ مِنْ الْجُحْفَةِ , وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ . قَـالَ عبد الله : وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ . متفق عليه

المعنى الإجمالي للحديثين باختصار :

يدل الحديثان على تعظيم بيته الحرام فمن أراد الحج أو العمرة وجب عليه الإحرام عند هذه المواقيت وحرم عليه تجاوزها إلا بعد الإحرام سواء كان من أهلها أو ممن يمر عليها وأما من كان دون هذه المواقيت وفيما بينها وببن مكة فيحرم من مكانه إذا كان حاجاً وأما إذا كان معتمراً فيجب عليه الإحرام من الحل خارج حدود الحرم وسيأتي بيان أحكام الإحرام في الدرس الثاني إن شاء الله تعالى .

الفوائد والأحكام :

- الحديثان سياقهما جاء بصيغة الخبر المفيد للأمر للدلالة على تنفيذ هذا الأمر , وهي أبلغ من الأمر المباشر , وهذا يدل على الوجوب , أي : وجوب الإحرام من هذه المواقيت .

2- من الفوائد المستفادة من الحديثين رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده حيث جعل لكل ناحية ميقاتاً على طريقهم حتى لا يصعب عليهم أن يجتمع الناس من كل ناحية في ميقات واحد .

3- من الفوائد كذلك أن تعيين هذه المواقيت هو من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم فقد حدد صلى الله عليه وسلم هذه المواقيت قبل أن تفتح هذه البلاد وهذا يستلزم أن هذه البلاد ستفتح وأنها سيقدم منها قوم يقصدون هذا البيت للحج والعمرة , ولهذا قال ابن عبد القوي في منظومته الدالية المشهورة :

وتوقيتها من معجزات نبينا ******************** بتعيينها من قبل فتح معدد

4- - من الفوائد أيضاً رفع الحرج لمن مر عليهن من غير أهلهن بأن يحرم من الميقات الذي يمر به وإن كان غير ميقاته الأصلي , فلو كلف كل شخص بالإحرام من الميقات الأصلي لكان في ذلك مشقة على الناس لصعوبة الرجوع إلى الميقات الأصلي إما لبعده كميقات ذي الحليفة مثلاً لمن كان ماراً بقرن المنازل ( السيل الكبير ) أو السعدية , ولحصول كلفة بالسفر وتحمل المشاقّ .

5- من الفوائد أيضاً عدم تكليف من كان دون المواقيت من جهة مكة حيث يحرم من مكانه حتى أن أهل مكة يحرمون من مكة للحج وأما العمرة فيحرمون من الحل لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخاها عبدالرحمن أن يذهب بها إلى التنعيم لتحرم من هناك .

6- من الأحكام : أن هذه المواقيت خمسة مواقيت وقد جاء النص عليها جميعاً منها الأربعة الواردة في الحديثين السابقين وهي ( ذو الحليفة – الجحفة ويحرم الحجاج من رابغ لأنها محاذية لها – قرن المنازل ( السيل الكبير ) – يلملم وهو ميقات أهل اليمن ويحرمون الآن من ( السعدية ) , وقد جاء النص على الميقات الخامس وهو ذات عرق كما في حديث عائشة الذي أخرجه أبو داود والنسائي بسند صحيح : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق ) . وأما ماورد في وأما ماورد في صحيح البخاري بأن عمر هو الذي وقت ذات عرق فهو معارض لحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما وجمع العلماء بينهما بأن عمر رضي الله تعالى عنه لم يبلغه الخبر فاجتهد فيه فأصاب ووافق السنة كما قال المباركفوري في إتحاف الكرام .

7- من أحكام هذه المواقيت أنه يجب على من أراد الحج والعمرة أن يحرم منها ولا يجوز له تجاوزها فإن تجاوزها عالماً مختاراً ذاكراً ولم يرجع فعليه دم عند كثير من أهل العلم استناداً إلى فتوى ابن عباس رضي الله عنهما في ذلك وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى .

8- من الأحكام أيضاً أن من لم يرد الحج والعمرة فلا يلزمه الإحرام ويدل على ذلك قوله : ( ممن أراد الحج والعمرة ) فمن كان يريد التجارة أو زيارة قريب أو غير ذلك ولا يريد حجاً ولا عمرة فلا يجب عليه الإحرام .

9- إذا تجاوز الميقات غير مريد للحج أو العمرة ثم أراد أن يحج أو يعتمر فإنه يحرم من مكانه إذا كان يريد الحج ومن الحل إذا كان مريداً للعمرة على الصحيح من قولي العلماء وذلك لقوله : ( وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ : فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ , حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ ) .

10- من أحكام المواقيت أنه يجوز لمن كان محاذياَ لهذه المواقيت أن يحرم فمن كان مسافراً بالطائرة وحاذى أو ميقات يمر به وجب عليه الإحرام , وهذا ما دل عليه فهم الصحابة رضي الله تعالى عنهم , فحديث عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه الذي أخرجه الإمام البخاري عندما وقت لأهل العراق ميقات ذات عرق بعدما اشتكوا له بأن ميقات قرن المنازل جور عن طريقهم قال لهم : انظروا حذوها من طريقكم فحد لهم ذات عرق . 

 

المسائل :

المسألة الأولى : إذا مرّ من أراد الحج والعمرة بميقات دون ميقاته :

فهل يحرم من ميقات الذي مرّ به أم ينتظر حتى يمرّ بميقاته الأصلي , اختلف العلماء في ذلك على قولين :

القول الأول : يحرم من الميقات الذي مرّ به قال ابن دقيق العيد وهو مذهب الشافعي

القول الثاني : يجوز له تجاوز الميقات الذي يمرّ به ويحرم من ميقاته الأصلي وإن كان الأفضل خلافه , وهو قول الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية .

الراجح في المسألة : هو القول الأول وهو : أنه يجب عليه الإحرام من الميقات الذي يمر به أولاً للحديث السابق : ( هُنَّ لَهُنّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ , مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ ) فإن الحكم يدور مع علته فإن أراد الحج والعمرة وجب عليه الإحرام وإن لم يرد الحج أو العمرة لم يجب عليه الإحرام . فإن تجاوز الميقات فعليه دم على اعتبار ( وجوب الدم على من ترك واجب ) وهو قول الأكثر من العلماء وسيأتي تفصيل وجوب الدم على من ترك واجباً في موضعه إن شاء الله تعالى .

المسألة الثانية : حكم الإحرام لمن مرّ على الميقات :

تحرير محل النزاع : نقل البسام يرحمه الله تعالى في كتابه تيسير العلام إجماع عامة العلماء على أن المتردد إلى الحرم لجلب الحطب أوالفاكهة , أو له بستان في الحل يتردد إليه , أو له وظيفة في مكة وأهله في جدة أو نحو ذلك لا يجب عليه الإحرام , إلا ما ذهب إليه أبو حنيفة من التحريم على كل داخل إلى مكة بغير إحرام والعمل على خلافه .

وقد أجمع العلماء على مشروعية الإحرام لمن أراد دخول الحرام , وأجمعوا على وجوب الإحرام لمن أراد النسك , واختلفوا فيمن أراد الدخول لغير النسك بخلاف المتردد على مكة على قولين :

القول الأول : يجب على من مرّ بالميقات أن يحرم سواء كان يريد الحج أو العمرة أو اراد غير ذلك كالتجارة أو للسكن أوغير ذلك وهذا قول الجمهور وهم الحنفية والمالكية والحنابلة واستدلوا بدليلين :

الدليل الأول : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن مكة : ( إنها حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة , لم تحل لأحد قبلي , ولا تحل لأحد بعدي , وإنما أحلت لي ساعة من نهار , ثم عادت كحرمتها بالأمس ) . [ متفق عليه ]

الدليل الثاني : ماراوه البيهقي من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ( لا يدخل أحد مكة إلا محرما ) . قال ابن حجر : سنده جيد

القول الثاني : جواز الدخول إلى مكة بدون إحرام لمن لم يرد الحج أو العمرة وهذا قول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وهو رواية عن الإمام أحمد , ونصر هذا القول ابن حزم في كتابه المحّلى واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله تعالى .

واستدلوا بحديث : ( ممن أراد الحج والعمرة ) وأجابوا على أدلة القول الأول :

إن الحديث ليس له دخل في الإحرام , وإنما هو في تحريم القتال في مكة . وأما حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الذي أخرجه البيهقي فلم يصح إلا موقوفاً عليه ولم يصح مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم , والموقوف ليس بحجة .

الراجح في المسألة :

يترجح القول الثاني لأن الدليل الذي استدلوا به نصٌ في المسألة , وأما أدلة القول الأول فالصحيح منها ليس نصاً في المسألة والضعيف لاحجة به أصلاً فكيف يحتج به في مقابلة الصحيح .

المسألة الثالثة : إذا تجاوز الميقات غير مريد للنسك ثم أراده :

اختلف أهل العلم في ذلك إلى قولين :

القول الأول : قول الجمهور وهو أنه يحرم من مكانه واستدلوا بالحديث : ( وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ : فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ , حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ )

القول الثاني : أنه يعود للميقات وهو رواية عن الإمام أحمد يرحمه الله تعالى واستدل بحديث المواقيت السابق .

الراجح في المسألة :

يترجح والله تعالى أعلم القول الأول وهو أن من كان دون المواقيت فإنه يهل أي : يحرم بالحج من حيث أنشأ أي : من المكان الذي نوى فيه وقصد الحج أما الإهلال بالعمرة فتكون من الحل إذا نوى أن يعتمر بعد تجاوزه للميقات كما فعلت عائشة رضي الله تعالى عنها فإنها لم تنوي العمرة إلا من مكة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها عبدالرحمن أن يخرج بها إلى التنعيم وهو أدنى الحل فأحرمت ثم اعتمرت .

المسألة الرابعة : إذا أحرم ثم عاد إلى الميقات :

اختلف العلماء في ذلك على قولين رئيسين :

القول الأول : إن كان قبل تلبسه بنسك فالأصح عند الشافعي والأوزاعي وأبي يوسف أن عليه دم على اعتبار أنه ترك واجباً ومن ترك واجب فعليه دم أخذاً بفتوى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما .

القول الثاني : لا ينفعه رجوعه وعليه دم . وهو قول أبي حنيفة ومالك رحمهما الله تعالى .

الراجح في المسألة :

يترجح والله تعالى أعلم القول الأول , وهو أنه لا أثم عليه وليس عليه دم على رأي من قال بوجوب الدم عليه إذا عاد قبل أن يتلبس بالنسك , وذلك لأنه قد استدرك واجباً بمقدوره فعله , وأما إذا تلبس بالنسك فقد فات محل ذلك الواجب فلا يعذر بتركه إلا إذا كان جاهلاً أو مكرهاً أو ناسياً .